الأربعاء، 6 يوليو 2016

58-لماذا نفشل وينجحون؟! (التخطيط والتنفيذ)


لماذا نفشل وينجحون؟! (التخطيط والتنفيذ)

د/منى زيتون
على ساسة بوست، الاثنين 19 ديسمبر 2016

http://www.sasapost.com/opinion/why-do-we-fail-and-they-succeed-planning-and-implementation/

وعلى المثقف، الأحد 14 نوفمبر 2021

https://www.almothaqaf.com/a/qadaya/959457


أكتب هذه المقالة على سبيل الفضفضة وخفّ الأحمال عن نفسي، والتي يتزايد ضغطها كلما أرى الوضع البائس الذي وصلنا إليه، والذي كنا قد أملنا خيرًا أن يتغير في زمن الثورات، ولكنه مع الأسف يزيد بؤسًا مع الأيام، معلنًا لنا أنه لا فائدة!

والملاحظ علينا كعرب؛ أفرادًا وجماعات، أن التخلف قد أصابنا في القرون الأخيرة؛ فتأخرنا، وأصبحنا نادرًا ما ننجح في تحقيق أهدافنا، وفشلنا في رفع مستويات بلادنا بإزاء أمم أخرى كانت أحطّ منا. ومن المستحيل أن يتم عزو بقائنا في الحضيض إلى الاحتلال الذي كان جاثمًا على بلادنا لعقود، أو كمضاعفات وتأثيرات باقية من أثر الحروب التي خضناها.

دول الشرق الأقصى، المعروفة الآن بالنمور الآسيوية، عانت من الاحتلال مثل الدول العربية، واليابان وألمانيا خرجتا من الحرب العالمية الثانية بعد أن مُنيتا بدمار شامل، فإن كانت تلك الدول قد استطاعت تخطي آثار الاحتلال والحروب، كما لم يسمح قادتها بوقوعها في براثن تلك الأزمات مرة أخرى، بينما عجزنا نحن عن التخطي، ثم تجددت علينا ويلات وحروب أخرى زادت أوضاعنا سوءًا، فالأمر ولا شك يتعلق بنا، وعلينا أن نتساءل عن أسباب فشلنا.

ولا نفتقد الموضوعية إذ نقول إن ‏العربي يعيش بخياله في الماضي أو المستقبل، ويعجز عن التعامل مع الواقع، فيما يفترض إننا ‏نحتاج الماضي للتعلم والمستقبل للتخطيط، وليس لخلق عالمًا من الأوهام.

ووفقًا لتعبير العامة فإن مسئولينا لا يفعلون شيئًا سوى إطلاق التصريحات والوعود، ثم يحنثون، بينما يخبرنا خبراء علم النفس والاجتماع والإدارة أن النجاح يبدأ عندما أحدد وضعي الحالي بدقة، وأنه مهما كان وضعي الذي أبدأ منه -رغبة في تخطيه- سيئًا، فإن تحديد الأرضية التي أقف عليها (أ)، والمكانة التي أريد الوصول إليها (ب)، ثم التحديد الموضوعي للسُبل التي ستنقلني من (أ) إلى (ب)، وتقسيمها إلى خطوات محددة الزمن والكُلفة، كل هذا سيكون كافيًا مع الجهد في التنفيذ لبلوغ الهدف. 

التخطيط

يُعد التخطيط أول عناصر الإدارة الناجحة، ويمكنني تعريفه على أنه مهارة تهدف إلى اتخاذ قرارات تؤثر على المستقبل. يبدأ بتحديد الأهداف المستقبلية، ثم رسم خطة الوصول إليها، وتوزيع مهام العمل، وتحديد الوسائل والتدابير وكافة الإجراءات التي يمكن اتخاذها أثناء التنفيذ، والزمن والتكاليف اللازمين والمناسبين لكل مهمة فرعية.

ويعتمد التخطيط الجيد على وجود معلومات كافية عن كافة العناصر اللازمة لتحديد الأهداف، كما يعتمد على بناء توقعات سليمة للمستقبل. والتخطيط شكل من أشكال التفكير، يتطلب وقتًا قبل الشروع في تنفيذ العمل، ولكنه في المقابل يختصر وقتًا وجهدًا يمكن أن يضيعا في تنفيذ مهام وخطوات غير سليمة تبعد بصاحبها عن الهدف.

التنفيذ

يخبرنا الخبراء أيضًا أن النجاح لا يكون فقط حليفًا للتخطيط الجيد، بل للقدرة على التنفيذ الجيد، بما يتضمنه من مراقبة سير مراحل وضع الخطة على أرض الواقع، وضمان تحقيق الهدف بشكل متقن. والأهم هو تخطي أي عقبات تظهر.

إن التخطيط المسبق للبدائل، وكذا خلق البدائل أثناء التنفيذ عندما تعترض العقبات طريق الخطة الأساسية، كلاهما هامين، وهما يعتمدان على مرونة التفكير؛ بمعنى تغيير زاوية النظر للموقف، وتوليد أفكار جديدة لمعالجته في ضوء أي متغيرات تطرأ.

ومن أعظم المشاكل التي تواجه من يفتقدون المرونة إصرارهم على النظر للموقف بناءً على الخطط المسبقة الموضوعة، وليس بناءً على الواقع في ظل المتغيرات التي تكون قد حدثت. من ثم فالأمر يستلزم ممن يشرف على التنفيذ إعادة تقييم الوضع من آنٍ لآخر.

والآن، لماذا نفشل؟

بعد أن فهمنا عنصريّ الإدارة الهامين، ربما يسهل علينا تحديد أسباب فشلنا بمقارنة ما نفعل بما يُفترض أن يكون. ومنطقيًا، فالفشل قد يكون لأحد الأسباب الآتية:

·        الشروع في التنفيذ مع سوء التخطيط أو عدم التخطيط (تنفيذ دون تخطيط): يؤدي إلى عدم تحديد الأهداف بشكل جيد، ومن ثم عدم ترتيب الخطوات بالشكل الأمثل وفقًا للأولويات، أو إسناد مهام لمن لا يستطيع أداءها بإتقان، وربما تنفيذ خطوات لا تساعد في تحقيق الهدف.

·        التنفيذ الجامد (تنفيذ الخطة الأساسية دون مراعاة المتغيرات): ولا يخفى في هذا الاحتمال دور أصحاب العقليات الجامدة التي لا تستطيع تقييم الوضع على أرض الواقع أولًا بأول، ومن ثم لا يستطيعون إحداث تغييرات في الخطة الأساسية بناءً عليه؛ فهم يفكرون بطريقة القطار الذي لا يحيد عن قضبانه، مقدسين كل ما صدر إليهم من أوامر حتى لو خربت الديار. وشعارهم "ضع الحمار في المكان الذي يريده صاحبه".

·        يبقى التخطيط حبيسًا دون تنفيذ (تخطيط دون تنفيذ)، مع ما في هذا من إهدار لجهود الكفاءات التي تكون قد أجهدت عقولها لوضع الخطط وطرح الحلول، ثم نتحسر على العقول المهاجرة التي سأمت سخافة نظمنا الإدارية العاطلة.

·        أما الاحتمال الأكثر بلادة فهو: (لا تخطيط ولا تنفيذ)، فلا نكلف أنفسنا حتى مجرد عبء التخطيط، وإن ظل وهميًا، بل قد ننكر ونكابر وجود مشكلة أو أزمة، أو نستمر في الكلام دون فعل؛ لا نفعل شيئًا، وهذا من أكثر ما نجيده؛ إعداد مؤتمرات وترتيب اجتماعات نتحدث فيها عن مشاكلنا وواقعنا المراد تغييره، ونناقش مناقشات سطحية كيفية الحل، دون وضع خطط، ثم لا شيء.

وفي كل الاحتمالات، يكون أثر القيادة السيئة بارزًا. في كل إدارة في بلادنا فإن الفاشل الأحمق ليس له طريق إلا النخر وراء زملائه الناجحين، ومع أن هذه طريقتهم أينما كانوا، لكنهم لا ينجحون دائمًا؛ لذا أقول: إن ‏الفارق يصنعه القائد، لأن القائد الحازم يضبط هذه النوعيات من البشر ويوقف مكائدهم، فيتفرغ ‏المبدعون للعمل، والقائد الذي لا يستحق منصبه يستعين بأمثاله من الفشلة، ليسود ‏الفشل، ويحارب كل مبدع، بل ويخاف منه.‏

كما أن أثر الفساد ولا شك بارز؛ فليس كل من هم في موقع القيادة يفتقدون العلم الحقيقي الذي يساعدهم على التخطيط الجيد ومتابعة التنفيذ للخطط الموضوعة لترقي مجتمعاتنا، خاصة على مستوى الوزراء وكبار رجال الدولة، ولكن كثيرين أصبحوا جزءًا من منظومة الفساد والإفساد التي ينتفعون من ورائها.

نظرة على المنهج الإلهي لنتعلم

إن منهجية التخطيط وتأسيس قاعدة قوية يتم التنفيذ مرحليًا بعدها وصولًا لتحقيق الهدف هي منهجية إلهية، رغم أن القدرة الإلهية المتناهية تستطيع تبديل أي واقع بشكل فوري، ولكن الله سبحانه وتعالى قد علمنا إياها لأنها تتفق مع القدرة البشرية المحدودة.

عندما بُعث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يأمره الله تعالى بمطالبة قومه بالتنفيذ الفوري للأوامر والنواهي الإلهية، بل أمره بتعريفهم بدعوته، ومكث سنوات لا يطلب منهم سوى الإيمان بالله ونبوته، ثم بعد عشرة أعوام في مكة فُرضت الصلاة، ثم فُرضت باقي التشريعات تدريجيًا في المدينة. بل إن بعض التشريعات قد شُرِعت تدريجيًا، مثل تحريم الخمر.

في البدء كانت الكلمة؛ كلمة الإيمان، ثم تلاها العمل. وهذا رد على من يصورون لأنفسهم أن الإيمان وحده يكفيهم دون عمل، ليكونوا أشبه برواد المؤتمرات والاجتماعات ممن يتحدثون لساعات، وفقط يتحدثون، كنموذج واضح للفشل الذي أصبح لنا قرينًا.