الأربعاء، 6 يوليو 2016

74-سيدخل بيت أبي سفيان وهو آمن!

74-سيدخل بيت أبي سفيان وهو آمن! 
د/منى زيتون


الأربعاء 31 مايو 2017


يشعرني بعض المسلمين من المتعصبين حين أشاهد ردود أفعالهم الحماسية تجاه بعض الوقائع، أنهم لو عاشوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم، فحتمًا سيُسلمون يوم فتح مكة عندما ترغم أنوفهم، وحتى قبلها بيوم سيظلون معاندين رغم أن الحق لائح؛ لأنه لا سبيل لديهم إلى ترك ما اعتقده آباؤهم، وما نشأوا عليه.
قد يتعجب البعض كيف أتصور أن متعصبًا للإسلام يمكن أن يقف ذلك الموقف المعاكس لو عاش زمن الدعوة، ولكنني أقول إن تكوينه النفسي الذي يحمله اليوم على التعصب لِما يوهم نفسه أنه من لوازم الدين، هو ذاته الذي كان سيجعله متعصبًا ضده، وفي زمرة أبي جهل وأبي لهب، وإن أراد الله به خيرًا فسيدخل بيت أبي سفيان وهو آمن!
أزمة مكبرات الصوت الخارجية في صلاة التراويح
أكتب هذا المقال على خلفية ما يمكن تسميته "أزمة مكبرات الصوت الخارجية في المساجد في صلاة التراويح"، فهي أزمة لأن بعض المتعصبين لم يفوِّت الفرصة ليجعلها تبدو كذلك، على الأقل على صفحات التواصل الاجتماعي.
تم الدعاء على المفتي ورميه بالعظائم، وكأنه قد منع إقامة الصلاة! وتم التباكي على الهوية الإسلامية لمصر، والتي أصبحت مكبرات الصوت علامة على وجودها! وحديث سخيف تم الزج به عن أصوات مكبرات أصوات الأفراح والضوضاء الناتجة عن الزحام وغيرها، والتي نتحملها ‏راضخين، فما ضرّنا لو تحملنا أصوات مكبرات الصوت الخارجية للمساجد في رمضان، حتى نستشعر الأجواء الرمضانية المرتبطة في وجداننا بتلك الأصوات؟ ولم يخل الأمر من توجيه الاتهامات للإخوة الأقباط بأن القرار صدر محاباةً لهم.
ولكن كان أشد ما هال هؤلاء المتعصبون أن يوجد مسلمون يُظهرون تأييدًا لهذا القرار،  فاستخدموا كافة أنواع المغالطات المنطقية مع من علّقوا بتأييد القرار؛ لإقناعهم أنهم مخطئون، وأنهم مطالبون باحتمال الأصوات العالية الصادرة من مكبرات الصوت الخارجية بالمساجد، والتي على علوها لا يكاد السامع يُميز منها شيئًا، وربما نأثم بسببها لعدم إنصاتنا لصوت القرآن إن كان هناك مجال للتمييز، كما أنه لا فائدة منها لمن في البيوت، فلا هم سيصلون الجماعة بإمامة شيخ المسجد، ولا سيتمكنون من أن يخشعوا في صلاتهم عندما يُصلّون فُرادى مع التشوش الذي سيحدث لهم من أصوات المكبرات. وطبعًا لم يفت المتباكون على الهوية أن يلفتوا من يرغبون أداء الصلاة في البيت إلى فضل صلاة الجماعة في المسجد، والذي سيجعل هؤلاء الكسالى أكثر تجاوبًا وخضوعًا لرغبات المهاوييس بالطقوس، الفاشلين في تمييز المقدس من غير المقدس.
فأصوات مكبرات الصوت حق مكتسب لهم. ليس لك الحق أن ترفضه، بل لا يحق لك حتى مجرد إظهار الميل للرأي المخالف، مسلمًا كنت أو مسيحيًا، فهم يعتبرونها دليلًا على الهوية الإسلامية لمصر، وعادة مقدسة غير مسموح بقطعها خاصة في رمضان!
أزمة منع صلاة الجمعة في الزوايا
ذكّرتني تلك الأزمة بأزمة الزوايا، التي حدثت من سنوات، عندما صدر قرار وزير اﻷوقاف إلغاء إقامة صلاة الجمعة في الزوايا والمساجد الصغيرة، وقصرها على الجوامع الكبيرة. وثارت ثائرة نفس القُطعان البشرية التي تُحسبن اليوم على ضياع الإسلام في مصر!
والزوايا –لمن لا يعلم- تعتبر من مبتدعاتنا في مصر، فالمفترض في المسجد أن يكون من أرضه لسمائه؛ أي ألّا يُبنى فوقه. ويمكن التجاوز عن هذا في أمريكا والدول اﻷوروبية وما شابهها، والقبول بأن يكون مبنى مسجد عبارة عن طابق في عمارة سكنية، لكن ما حاجتنا لهذا في مصر؟!
 وما ﻻ يعرفه كثيرون أيضًا أن بداية إنشاء هذه الزوايا في المنازل كان للتهرب من الضريبة العقارية؛ حيث نص القانون على إعفاء المباني التي بها زوايا صغيرة للصلاة من دفع الضريبة، أي أن أغلبها أُقيم للتحايل على أداء حق الدولة وليس ابتغاء مرضاة الله.
 وأيًا كان الغرض من بنائها، فالزاوية هي مجرد مصلى وليست مسجدًا، كما أن رسالة الجوامع أن تجمع المسلمين ﻻ أن تفرقهم بأن يجتمع كل ثلاثين أو أربعين شخصًا في مكان صغير؛ فهذا تفريق للأمة ومخالف لمنهج السلف، الذي يدّعي من يفعلون هذا اﻻقتداء به، وما سُمِّي الجامع جامعًا إﻻ ﻷنه يجمع المسلمين.
ولكنه التعصب قاتله الله. وكم من دواعش بيننا، يتعصبون لما لا يلزم التعصب له، ولو ملكوا لحرمونا الهواء.
التعصب
تعد مشكلة التعصب من أشد المشكلات الاجتماعية تأثيرًا على الإنسان، والتعصب يعني إعطاء أحكام جامدة بالصحة تجاه فكرة ما، كتعصب الإسلاميين لفكرة "الإسلام هو الحل"، الذي اتخذوه شعارًا لهم لفترة طويلة، بينما أثبت لنا الواقع أن الإسلام بالنسبة لهم كان الوسيلة، ولم يكن أبدًا هو الحل!
والتعصب كسمة نفسية يرتبط بسمة عقلية هي الجمود العقلي، وكما هو معروف في أسس علم الاجتماع أنه "يعمي ويصم ويشوه إدراك الواقع"، ويسوق الفرد المتعصب لإعطاء أحكام أو تعميمات ثابتة تجاه قضية أو فكرة أو جماعة أو شخص، دون معرفة كافية ودون دليل! كما أن محاولات مد المتعصب بالمعلومات التي من المفترض منطقيًا أن تجعله يعدل عن حكمه لا تجدي نفعًا! وبالرغم من نقص الدليل على صحة الحكم العقلي فإن المتعصب يلجأ لتبرير حكمه واستخدام المغالطات المنطقية لإظهار صحة استدلاله، الذي وصل فيه للاستنتاج الذي يتفق واتجاه تعصبه، دون فحص المقدمات أو دون وجود للمقدمات! وهذا يذكرني بمقولة قرأتها، جاء فيها "لقد أصبحت عملية فلق الذرة الآن أسهل من عملية القضاء على التعصب".‏
وللاتجاه التعصبي ثلاثة مكونات؛ مكون معرفي ومكون انفعالي ومكون سلوكي. فمعتقدات الشخص يجب أن تتسق مع انفعالاته نحو موضوع التعصب، ويجب أن يكون كلاهما متلائمين مع سلوكه في المواقف التي يظهر فيها تعصبه. فإن كان هناك تعارض بين أي من هذه المكونات والمكونين الآخرين، سيؤول حال الفرد إلى التشكك والاضطراب، حتى ينجح في تعديل المكون المتناقض لإعادة حالة الاتساق.
وقد توصلت أغلب الدراسات إلى أن الاتجاه التعصبي هو اتجاه عام، يظهر لدى الفرد في كل أموره، كما أنه ليست النقطة المحورية هي محتوى اعتقاده، فالمتعصب لفريق كرة قدم لو أدت به الظروف للانتماء لفريق آخر، لتعصب أيضًا لذلك الفريق الآخر!
العادة وكيف تسري في العقل الجمعي المصري
من المعروف عن الشعب المصري ولعهم بالآثار والأنتيكات وكل ما هو قديم، وإذا ما تعلق الأمر بالعادات، فتفكيرك في تغيير إحداها ربما يكون ضربًا من ضروب الخيال والإغراق في الأوهام.
على سبيل المثال فإنه رغم تغلغل الفكر السلفي في مصر منذ عقود، ورغم الفتاوى السنوية بتحريم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وشم النسيم وغيرها، ففتاواهم يتم الإلقاء بها بجانب صناديق حلوى المولد الفارغة وصفائح الفسيخ.
بمجرد أن تتكون العادة عند المصريين يُصبح اقترابك منها ومحاولة إلغائها دخولًا في عش الدبابير، ولتتحمل ما قد يجره عليك تصرفك. وهم في هذا يفشلون تمامًا في فصل المقدس عن غير المقدس، وربما كانوا في اللاوعي يفصلون، ولكنها الرغبة الملحة لديهم في الحفاظ على عاداتهم، خاصةً إن ارتبطت تلك العادة بهويتهم الدينية التي يفرطون في التعصب لها.
لكن المنطق يقول إنه مهما ارتبط غير المقدس بالمقدس، وصارا أشبه بفنجان القهوة وجريدة الصباح، فالإنسان العاقل يعرف كيف يفصل بينهما، لكن هل للمتعصب ذات السمات العقلية للبشر العقلاء؟!!
سمات تفكير المتعصب
يتسم تفكير المتعصب بسمات أهمها:
تقبله لأوامر السلطة دون إعمال العقل، ولا يستند إلى أسباب موضوعية للحكم. يفتقد المنطق السليم؛ فهو لا يفكر في الأمور بعقلانية واضعًا الهدف نصب عينيه. يفتقد الأمانة العلمية وينتصر لرأي جماعته ولو زورًا حتى لو اضطر للخروج عن جوهر موضوع النقاش. مهتم بأن يكون على حق وليس مهتمًا بالبحث عن الحقيقة. وينقصه المستوى المتطلب من التفكير الناقد، والذي يجعله يضع ‏معاييرًا صحيحة لتقييم ما يُشاع أنه أفضل أو صحيح؛ فهم يستخدمون غالبًا معايير فاسدة متحيزة للحكم بقبول أو رفض الأفكار، ويتأثرون بالبهارج المصاحبة لكثير من الأفكار عديمة القيمة، ويصدقونها دون تمهل، من ثم يسهل شحنهم وتحويلهم إلى متطرفين فكريًا خاصة على المستوى الديني أو السياسي.
عود على بدء
إن رمضان في مخيلة هؤلاء المتعصبين يقترن بأجواء احتفالية صاخبة وأضواء وأصوات، وهو دليل على حب هذا الشعب للشهر الكريم، ولكن هذا الصخب أبعد ما يكون عن جوهر الرسالة الروحانية التي يحملها لنا رمضان!
وأتساءل، هل المسلم الذي أدرك عمق الإيمان وحقيقته والغرض من الشهر الكريم من المفترض أن يمثل له رمضان جلبة وصخبًا يدافع عنه لدرجة التطاول على من يرغب في تخفيف تلك الأجواء؟
هل نحن حقًا فهمنا جوهر الدين؟