الثلاثاء، 5 يوليو 2016

11-أحاديث المسيح الأخيرة: بشارة المسيح بمحمد في إنجيل يوحنا

11-أحاديث المسيح الأخيرة: بشارة المسيح بمحمد في إنجيل يوحنا
"عن كتاب القرآن والتوراة والإنجيل والعلم - د/موريس بوكاي"
الأحد 17 مايو ‏‏2015‏


الرجاء بذل الجهد من أجل الفهم
فالموضوع هااااااااااااااااااااااااااااااااااام
* بداية يجب أن نذكر أن النسخة الأصلية للإنجيل التي أُنزلت على السيد المسيح باللغة الأرامية مفقودة، وفي خلال القرون الأولى الميلادية شاعت بين العامة نسخ عديدة تُنسب للسيد المسيح، وبلغات مختلفة، حتى وصلت في نهاية القرن الرابع الميلادي إلى حوالي مائة نسخة مختلفة، قامت الكنيسة في روما بإحراق كل هذه الأناجيل مع الإبقاء فقط على أربعة أناجيل (إنجيل متى- إنجيل مرقس- إنجيل لوقا- إنجيل يوحنا) باعتبارها الأناجيل الصادقة، وهناك إنجيل يُدعى إنجيل برنابا نجت نسختان منه من الحرق واكتشفتا في ظروف غامضة في عصور متأخرة، والمسيحيون لا يعترفون به، بينما يرى المسلمون أنه أقرب نسخ الأناجيل إلى الصحة لأسباب لا مجال لذكرها الآن، فليس هذا موضوع هذا المقال. وبالإضافة إلى تعدد مصادر الإنجيل والتحريفات التي تمت له في تلك النسخ الأربع التي أبقت عليها الكنيسة، فقد حدثت أحيانًا تحريفات متعمدة وغير متعمدة نتيجة للترجمة من الأصول لتلك الأناجيل الأربعة نشأ عنها تحريف للمعنى الحقيقي المقصود في النسخة الأصلية، وهذا هو ما تركز عليه هذه المقالة المنقولة والتي يرى كاتبها أن بشارة المسيح بنبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام قد حُذفت من ثلاثة من الأناجيل، بينما بقيت في الإنجيل الرابع –إنجيل يوحنا-، لكن مع إعطاء تحريف للمعنى الحقيقي المقصود يجعله لا يتضح مطلقًا للقاريء ولا يفهم تلك البشارة.

المقال التالي الذي بين أيديكم منقول عن كتاب القرآن والتوراة والإنجيل والعلم (ص ص 129: 134):
يوحنا هو المبشر الوحيد الذي سرد ما حدث في نهاية العشاء الأخير للمسيح –هذا العشاء الأخير هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة والتي أُنزلت عليهم من السماء- وقبل القبض عليه –حسب اعتقاد المسيحيين-، أي آخر أحاديثه مع الحواريين، وينتهي هذا الحدث بخطبة طويلة، فإنجيل يوحنا يُفرد أربعة إصحاحات (من 14 إلى 17) لتلك الرواية التي لا نجد لها أثرًا في الأناجيل الأخرى. ومع ذلك فهذه الإصحاحات من إنجيل يوحنا تعالج مسائل أساسية وآفاق مستقبل ذات أهمية بالغة، وهي معروضة بكامل العظمة والجلال اللذين يميزان هذا المشهد لوداع السيد لتلامذته.
كيف يمكن أن نشرح الغياب التام في أناجيل متى ومرقس ولوقا لرواية الوداع المؤثر الذي يحتوي على الوصية الروحية للمسيح؟ يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل كان النص موجودًا أولًا عند المبشرين الثلاثة الأولين؟ ألم يحذف فيما بعد؟ ولماذا؟ ولنقل فورًا أنه لا يمكن الإتيان بأية إجابة، فاللغز مستغلق تمامًا بالنسبة لهذه الثغرة الكبيرة في رواية المبشرين الثلاثة الأولين.
إن ما يسود الرواية –وهذا مفهوم في حديث أخير- هو مستقبل البشر الذي يتحدث عنه المسيح، واهتمام السيد بالتوجه إلى تلامذته وإلى الإنسانية برمتها عبرهم، معطيًا إرشاداته وأوامره، ومحددًا بشكل نهائي المرشد الذي على الإنسانية أن تتبعه بعد اختفائه. إن نص إنجيل يوحنا –وهذا النص وحده- يُسمي بشكل صريح هذا المرشد باسم يوناني هو Parakletos الذي أصبح في الفرنسية Paraclet. وها هي ذي الفقرات الجوهرية من هذه الخطبة حسب الترجمة المسكونية للعهد الجديد: "إذا كنتم تحبونني فستعملون على اتباع أوامري، وسأصلي للأب الذي سيعطيكم Paraclet آخر" (1، 15، 16)
ما معنى هذه الكلمة Paraclet. إن النص الذي نملك حاليًا لإنجيل يوحنا يشرح معناها بالألفاظ التالية:
·  "الـ Paraclet، الروح القُدس الذي سيرسله الأب باسمي سيبلغكم كل شيء وسيجعلكم تتذكرون كل ما قلت لكم" (14، 26)
·      "هو نفسه سيشهد بي" (15، 26)
·  رحيلي فائدة لكم، لأنني إذا لم أرحل فالـ Paraclet لن يأتي إليكم، وعلى العكس فإذا رحلت فسأبعث به إليكم. وهو بمجيئه سيذهل العالم فيما يخص الخطيئة والعدل والحكم ........." (16، 7-8)
·  "عندما سيأتي روح الحقيقة، فسيجعلكم ترقون إلى الحقيقة بكاملها، لأنه لن يتكلم بإرادته، وإنما سيقول ما يسمع، وسيعرفكم بكل ما سيأتي. وسيمجدني...." (16، 13-14)
(ويلاحظ أن الفقرات التي لم تُذكر هنا من الإصحاحات 14 إلى 17 من إنجيل يوحنا لا تعدل مطلقًا من المعنى العام للفقرات المذكورة)
وإذا قرأنا بسرعة فإن النص الذي يثبت تطابق كلمة Parakletos اليونانية على الروح القُدس لا يجذب الانتباه في كثير من الأحيان، وخاصة أن العناوين الثانوية للنص المستخدمة عمومًا في الترجمات، بالإضافة إلى ألفاظ التعليقات المقدمة في كتب التعليم العام توجه القاريء نحو المعنى الذي تريد الروح التقليدية إعطاءه لهذه الفقرات، وإن حدث وصادف القاريء أقل صعوبة في الفهم، فالتحديدات موجودة كتلك التي يعطيها "المعجم الصغير للعهد الجديد للأب تريكو A. Tricot وهي كل التوضيحات، فتحت عنوان كتب المعلق ما يلي:
"هذا الاسم أو هذه الصفة المنقولة من اليونانية إلى الفرنسية غير مستخدم في العهد الجديد إلا في إنجيل يوحنا: فهو يذكر الكلمة أربع مرات عند سرده لخطاب المسيح بعد العشاء الأخير* (14، 16 و 26؛ 15، 26؛ 16، 7) ومرة واحدة في رسالته الأولى (2، 1). إن الكلمة في إنجيل يوحنا تنطبق على الروح القدس، أما في الرسالة فهي تنطبق على المسيح. لقد كانت كلمة Paraclet سائدة لدى اليهود الهللنستيين في القرن الأول بمعنى الوسيط، والمدافع (.....). فالمسيح يعلن أن الروح سيرسل بالأب والابن في دوره الإنقاذي الذي يؤديه في أثناء حياته الفانية على الأرض، وذلك لصالح تلاميذه. إن الروح يتدخل ويعمل كبديل للمسيح باعتباره Paraclet أو وسيط قادر على كل شيء"
* ملحوظة: الواقع أن المسيح في قول يوحنا يلقي خطابه الطويل في أثناء نفس هذا العشاء، وفيه يتحدث عن الـ Paraclet وهو خطاب لم يسرده المبشرون الآخرون.
إذن فهذا التعليق يجعل الروح القدس مرشدًا أسمى للبشر بعد اختفاء المسيح. فهل يتفق هذا التعليق مع نص يوحنا؟؟؟؟
لابد من طرح المشكلة، فمبدئيًا يبدو غريبًا أن ننسب إلى الروح القدس الفقرة المذكورة أعلاه والتي تقول: "لن يتكلم بإرادته، وإنما سيقول ما يسمع، وسيعرفكم بكل ما سيأتي".
يبدو أن من غير المعقول أن ننسب إلى الروح القدس سلطان أن يتحدث وأن يقول ما يسمع .... وفي علمي أن هذه المسألة التي يوصي المنطق بطرحها ليست عمومًا موضع أي تعليقات.
ولكي تكون لنا فكرة صحيحة عن المشكلة يجب الرجوع إلى النص اليوناني الأساسي، وهذا أمر يساوي في أهميته الاعتراف بأن يوحنا قد كتب باليونانية وليس بلغة أخرى. إن النص اليوناني الذي رجعنا إليه هو نص Novum Testamentum Graece طبعة نستلي والأند Nestle et Aland (1971).
إن أي نقد جاد للنصوص يبدأ بالبحث عن الاختلافات النصية. ويظهر هنا أن ليس في مجموع المخطوطات المعروفة لإنجيل يوحنا نص آخر مختلف من شأنه أن يحرف المعنى سوى تلك الفقرة 14، 26 من المخطوطة السريانية المسماة Palimp- seste . (وهي مخطوطة كُتبت في القرن الرابع أو الخامس، واكتشفها أنيس س لويس Agnés S. Lewis عام 1812 بدير سيناء، وتحمل المخطوطة هذا الاسم لأن النص الأول كان مغطى بنص آخر، وعندما مُسح هذا الأخير ظهر النص الأول)!!!!!!
وتلك الفقرة 14، 26 من تلك المخطوطة السريانية لا تشير إلى الروح فقط، وإنما إلى الروح القدس. فهل هذا مجرد نسيان من قبل الناسخ؟ أو أنه لم يجرؤ على كتابة ما بدا له أنه أمر غير معقول في مواجهة نص يدعي أن الروح القدس قد يسمع ويتكلم؟ فيما عدا هذه الملاحظة، وبعض الاختلافات النحوية التي لا تغير شيئًا من المعنى العام للنص، وليس هناك مجال للإصرار على اختلافات نصية أخرى. وما يهم هو أن المعروض هنا عن الدلالة المحددة لفعليّ "يسمع" و "يتحدث" يسري على كل مخطوطات إنجيل يوحنا، ومن ضمنها الحالة المعينة هنا.
وفعل يسمع Entendre في الترجمة الفرنسية هو فعل Akouo باليونانية، ويعني استقبال أصوات. وقد أعطى الفعل اليوناني على سبيل المثال كلمة Acoustique بالفرنسية و Acoustics بالإنجليزية وتعني علم الأصوات.
أما فعل يتحدث Parler في الترجمة الفرنسية فهو فعل Laleo باليونانية، ومعناه العام إصدار أصوات وخاصة صوت الكلام. ويتكرر هذا الفعل كثيرًا في النص اليوناني. وذلك للإشارة إلى التصريح الجليل للمسيح في أثناء تبشيره. يبدو إذن أن الاتصال بالناس المقصود هنا لا يمكن مطلقًا في إلهام عمل الروح القدس. وإنما هو اتصال ذو طابع مادي واضح، وذلك بسبب مفهوم إصدار الصوت، وهو المفهوم المرتبط بالكلمة اليونانية التي تعرفه.

الفعلان اليونانيان Akouo و Laleo يعنيان فعلين ماديين لا يمكن أن يخصا إلا كائنًا يتمتع بجهاز للسمع وآخر للكلام. وبالتالي فتطبيق هذين الفعلين على الروح القدس أمر غير ممكن. إن نص هذه الفقرة من إنجيل يوحنا، كما تسلمه لنا المخطوطات اليونانية، غير مفهوم بالمرة إذا ما قابلناه في تمامه مع كلمة "الروح القدس" في الآية 26 من الإصحاح 14 (14، 26) وهي: "Paraclet، الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي....." الخ.  إنها الجملة الوحيدة في إنجيل يوحنا التي تثبت تطابقًا بين الـ Paraclet والروح القدس.
ولكن إذا حذفنا*1 كلمتيّ الروح القدس (to pneuma to agion) من هذه الجملة فإن نص يوحنا يقدم عندئذ دلالة شديدة الوضوح. ويضاف إلى ذلك أن هذه الدلالة تتخذ شكلًا ماديًا، وذلك من خلال نص آخر ليوحنا، وهو نص الرسالة الأولى، حيث يستخدم نفس هذه الكلمة Paraclet للإشارة ببساطة إلى المسيح باعتباره الوسيط إلى الله*2.
*1(ملحوظة: المقصود بالحذف ليس أن نحرف في الإنجيل مثلما فعلوا، بل المقصود أن هذه الكلمة أساسًا تمت إضافتها في هذه الجملة حتى يبدو هناك تطابقًا بين كلمتيّ Paraclet والروح القدس، حتى لا يتضح المعنى الحقيقي للآية، وهي البشارة بمحمد، وأن استبعاد كلمة الروح القدس من الجملة سيجعل المعنى يتضح، ويتفق مع المعنى المفهوم لـ Paraclet في الآيات الأخرى التي ذكرته"
*2(ملحوظة: كثير من ترجمات الأناجيل والتعليقات عليها، والقديمة منها على وجه خاص، تترجم هذه الكلمات بالمعنى.. وهذا خطأ تام).
وعندما يقول المسيح، حسب إنجيل يوحنا (16، 14): "سأصلي لله وسيرسل لكم Paraclet آخر" فهو يريد بالفعل أن يقول أنه سيرسل إلى البشر وسيطًا "آخر" كما كان هو وسيطًا لدى الله، وفي صالح البشر أثناء حياته على الأرض.

ذلك يقودنا بمنتهى المنطق إلى أن نرى في Paraclet عند يوحنا كائنًا بشريًا مثل المسيح يتمتع بحاستيّ السمع والكلام، وهما الحاستان اللتان يتضمنهما نص يوحنا بشكل قاطع. إذن فالمسيح يصرح بأن الله سيرسل فيما بعد كائنًا بشريًا على هذه الأرض ليؤدي الدور الذي عرفه يوحنا، ولنقل باختصار أنه دور نبي يسمع صوت الله ويكرر على مسامع البشر رسالته. ذلك هو التفسير المنطقي لنص يوحنا الذي نملك اليوم قد يكون نابعًا من إضافة لاحقة إرادية تمامًا تهدف إلى تعديل المعنى الأول لفقرة تتناقض بإعلانها بمجيء نبي بعد المسيح مع تعاليم الكنائس المسيحية الوليدة التي أرادت أن يكون المسيح هو خاتم الأنبياء.