الثلاثاء، 5 يوليو 2016

15-حل المشكلات في مصر من "إطفاء الحرائق" إلى "ليست مسئوليتي"


حل المشكلات في مصر
من "إطفاء الحرائق" إلى "ليست مسئوليتي"!
د/ منى زيتون
السبت 25 يوليو ‏‏2015‏
الاثنين 17 يونيو 2019
لم أدرس الإدارة دراسة متخصصة، بل كمادة ضمن مقررات مرحلة الدراسات العليا، ولكنني أحببتها، ربما لتقديري لأهميتها؛ كون مشكلاتها أحد أهم الأسباب الرئيسية لتأخر بلدي مصر –وربما سائر البلدان العربية-؛ فالعرب لديهم طاقات عقلية ومهارات عالية في شتى الميادين، ولكن دائمًا ما ينقصهم القائد أو المدير القادر على استغلال تلك الطاقات والمهارات وتوظيفها التوظيف الأمثل.
كان يُدَّرس لنا مادة الإدارة، د. محمود فرحات رحمه الله، وكان معتنيًا بألا يكون تقييمنا في المادة تقييمًا تقليديًا على مستوى التذكر والفهم، وأراده تقييمًا عمليًا على مستوى التطبيق، فطلب أن يختار كل منا مشكلة تربوية، وأن يضعها في رأسه، ويخصص إجاباته في الاختبار حولها، محللًا الخطوات التي يتم التعامل بها مع تلك المشكلة في واقعنا البائس، وواضعًا نموذجًا حديثًا مما درسه في علم الإدارة للتعامل مع المشكلة. وكان هذا صعبًا على بعض الزملاء من ذوي التفكير التقليدي، ما جعلهم يستغلون الساعات المكتبية للدكتور في عرض أفكارهم عليه، والتي يُفترض أن يقيمهم عليها تحريريًا في الاختبار النهائي! وأثناء أيام الاختبارات النهائية –تحديدًا بعد اختبار مادة الإدارة بأيام- شاهدت تجمهرًا حول الدكتور أمام باب الكلية، يحاول أصحابه أن يتأكدوا أنهم أصابوا بعض ما قصد إليه الدكتور في الاختبار النهائي الذي اختبرناه بالفعل، وكانوا على علم بطبيعته التطبيقية! وكنت أمر على الرصيف المقابل، فلمحني الدكتور وابتسم فعلمت أن إجاباتي قد أرضته، فسعدت، ثم قال الدكتور رحمه الله: "أنتِ كويسة"، فكدت أطير من الفرحة، ثم ظهرت النتيجة وكانت "أنتِ كويسة" هذه تعني تقدير امتياز في المادة.
كان د.محمود رحمه الله يصف النظام الإداري في مصر بأنه نظام "إطفاء الحرائق"؛ فهو نظام فاشل، به كل العوامل التي من المؤكد أن تؤدي لمشاكل، ولكن لا أحد يبحث عن تلك العوامل ويحاول معالجتها للقضاء على المشكلة من جذورها فلا تتكرر، ومن ثم فالفرصة مهيأة لتكرر نفس المشاكل أو الحرائق –كما يسميها-! ويكتفي المسئولون عندما تحدث مشكلة –يشب حريق- بحلها سريعًا تاركين الأسباب التي أدت إليها قائمة منذرة بنشوب حريق جديد!
عاودتني تلك الذكريات عما درسته في علم الإدارة كثيرًا في السنوات الأخيرة؛ فلم تكد تمر شهور معدودات حتى تواجهني مشكلة مع إحدى الشركات أو الهيئات الكبرى، فمرة مع مصر للطيران، وأخرى مع تي اي داتا، وتارة مع بنك مصر، ورغم وضوح الخطأ في جانب الشركة إلا أنه تمر شهور في تسويف من جانب المسئولين حتى يتم حل المشكلة أخيرًا، عندما أكشر عن أنيابي وأنذرهم بأن الأمر سيصل لجهات رقابية أعلى.
لم يعد المسئول في مصر يسارع إلى إخماد الحريق عندما يحدث تاركًا أسبابه قائمة دون معالجة، فللأسف صار هذا من الماضي الذي نتحسر عليه، بل صار كل مسئول يحيل المواطن إلى مسئول آخر مدعيًا أن ذلك الآخر هو المتسبب في حدوث المشكلة أو أنه هو المسئول عن معالجتها وحلها، ويبقى المواطن تائهًا بين هذا وذاك، وتبقى المشكلة قائمة دون حل، ولا يخلو الأمر من الكذب على العميل، وإعطائه معلومات مضللة، في ظاهرة تستحق الدراسة، يتفرد بها النظام الإداري المصري.
صار كل مسئول –لا يحمل من تلك الصفة سوى اسمها- يعتبر أن مشاركته في حل مشكلة ما هو دليل على أن له يدًا في حدوثها، وعليه صار مسئولونا يتبرؤون من مشاكلنا، وكأنها لقيط، من سيعتني به فهو أبوه الذي رماه!
نسي هؤلاء أو تناسوا أن لله أقوامًا اختصمهم بقضاء حوائج الناس، فهم الآمنون من عذاب يوم القيامة، فكيف الحال وهم المسئولون أساسًا عن قضاء تلك الحوائج؟
لا أعلم ما هو مستوى الانحدار الحضاري الذي يمكن أن نصل إليه، فكل يوم ننحدر من سيء إلى أسوأ.