الثلاثاء، 5 يوليو 2016

16-ارتقب الساعة

16-ارتقب الساعة
بقلم: د/منى زيتون
*************
‏10 أغسطس ‏‏2015‏


هذا المقال تراودني نفسي على كتابته منذ أن كتبت مقالي "التعليم لمن يستحق أم للجميع؟"؛ ذلك أن الباعث لكتابة كليهما واحد.
عندما ثارت ثائرة المجتمع المصري لمّا صرح وزير العدل شخصيًا أن ابن عامل النظافة المتفوق لا يحق له التقدم لشغل منصب القضاء، كان من أهم التبريرات السخيفة التي قُدمت وقتها –وتعنينا تحديدًا في هذا المقال- الادعاء بأن التفوق في التعليم ليس دليلًا على الأحقية في التقدم في السلم الاجتماعي!
وقلت وقتها إن هؤلاء المبررين يتجاهلون قاعدة أساسية ليست من وضع البشر، ألا وهي ﴿تلك الأيام نداولها بين الناس. والآية وإن كانت قد نزلت في مناسبة خاصة في التاريخ الإسلامي إلا أنه لا يوجد ما يجعل تعميمها مشكلًا، بل إن الأنسب أنها نزلت لتقرر ناموسًا كونيًا، فلولا أن الدَول سنة من سنن الكون، وقاعدة لا فصال فيها، ما نصر الله المشركين على المؤمنين في أُحد.
تلك القاعدة أو السنة الكونية تتفق مع فطرة البشر السليمة ويتقبلونها، فكثيرًا ما كانت تردد جدتي رحمة الله عليها أن "الدنيا دوارة، ترفع ناس، وتنزل ناس". ومن يحصلون على أرقى المناصب في مجتمع بناء على كفاءتهم قد ينجبون أبناء غير أكفاء، والعكس، وتدور الدائرة بين البشر لتبقى الكفاءة هي المعيار الذي تتقلب المجتمعات على أساسه.
ولكن في سنوات عمري التي عشتها حتى الآن، وما سبقها مما لم أعشه –خاصة في العهد الناصري-، أرى الدنيا تكاد أن تكون قد كفت عن الدوران في بلدي، رغم أن الأرض لا زالت تدور، ولا زال النيل يجري!
حكى لي أبي رحمه الله، كما قرأت وسمعت الكثير عن تقريب أهل الثقة وليس أهل الكفاءة في العهد الناصري، فصارت كل مؤسسة يعلوها رجلًا من المؤسسة العسكرية، مهما كان البون شاسعًا بين الخبرات المطلوبة لإدارة المؤسسة وبين الخبرات التي يملكها العسكري، والنتيجة الحتمية كانت أن خرب اقتصاد مصر وتدهور، وصارت مدينة بعد أن كانت دائنة.
وفي نهاية عصر السادات وبداية عصر الانفتاح بدأت تطفو طبقة من رجال الأعمال على سطح المجتمع المصري، وزادت سطوتها حتى ملكت مفاصل الدولة وتحكمت فيها في عهد مبارك.
لم تكتف تلك الطبقة بالتحكم في مفاصل الدولة، بعد أن صعدت لقمة المجتمع الذي خربته، بل حاول ولا زال يحاول هؤلاء تثبيت عجلة الحياة في اتجاه واحد لأجل استمرار مصالحهم؛ أي تثبيت الزمن عليهم وعلى أبنائهم إلى ما شاء الله، والأمر لا يقتصر على محاولة وضع الأبناء الفشلة في مراكز لا تتفق مع مؤهلاتهم الطبيعية التي وهبهم الله إياها، بل وصل الأمر لمحاربة المتفوقين بحيث لا يكاد يقتحم طبقتهم أحد.
وللأسف الشديد فإنه عندما يعمد المثقفون لنقاش الأمر يتناولونه بسطحية، ويبدو أنهم لا يدركون حقيقة إسهام هذا الوضع الاجتماعي المؤسف في مجمل مشاكل بلدنا، فالواسطة هي لُب وأصل كل مشكلة صغيرة كانت أو كبيرة.
فإن أردنا أن ننظر نظرة أعمق وأعقد بكثير من تلك النظرة السطحية يمكننا القول دون أدنى مبالغة إن هؤلاء لا يحاربون غيرهم من البشر ممن أعطاهم الله مقومات التفوق عليهم بسلب الوظائف والترقي الاجتماعي منهم، بل يحاربون الله سبحانه وتعالى بمحاربة سننه. إنها نوع خاص من الحرابة لا تُسال فيها دماء، ولكنها تؤذن بخراب المجتمع.
كي تدرك عزيزي القارئ عمق ومقدار الغضب الإلهي من جراء تلك الأفعال، وتعلم أنني لا أبالغ تمعن في معاني ودلالات الحديث الشريف الذي يقول فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم: "إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فارتقب الساعة".
الوسائط هي محاربة لإرادة الله التي تشاء أن تدور الأيام وتتداول بين الناس بين عز وذل، بين رفعة ودنو، وانتشارها لا يحقق مراد الله في كونه، وعليه فهي علامة من علامات الساعة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ.
ويبقى السؤال: متى سنفيق إن كنا فعلًا نرنو إلى ازدهار وطننا من جديد؟