الثلاثاء، 5 يوليو 2016

20-علِّم غيرك

20-علِّم غيرك
د/منى زيتون
***********
الأحد 18 أكتوبر ‏‏2015‏


شهدت العقود الأخيرة تأخرًا ملحوظًا في المستويات المهنية للمصريين على كافة الأصعدة، فانخفض مستوى الطبيب المصري والمهندس المصري والمعلم المصري وحتى العامل المصري مقارنة بالمستويات العالمية، وتأخرنا عن أمثالنا في دول أخرى كنا نسبقهم بمراحل.
نسمع عن عائلات العقاد والفخراني والزيات وغيرها ممن تحمل لقبًا يدل على الحرفة التي امتهنها أجدادهم حتى قريب؛ ذلك أن المهنة الواحدة كانت تتوارثها عائلة أو عدة عائلات تحمل كلها ذات اللقب.
أعطى ذلك التوارث ميزة عظيمة فيما يخص تعليم الصنعة وإتقانها؛ ذلك أن الأسطى (المعلم) هو الأب، ومن الطبيعي أن يحرص على تعليم ولده كي يضمن استمرار المهنة في العائلة.
أما الآن، فلم يبق من العائلات الحرفية سوى أسماءها، فلا العقادين يعرفون كيف يعقدون السجاجيد، ولا الفخرانية يصنعون الفخار كما كان يفعل أجدادهم؛ بسبب اتجاه غالبية أفراد المجتمع للتعلم المدرسي حتى ممن لا يمتلكون القدرة العقلية عليه، فأصبح أغلب من يتجه لتعلم الحرف هم ذوو القدرات العقلية الضعيفة، ولا يُشترط أن تكون حرفة آبائهم، والأدهى أنهم لا يجدون من يعلمهم الحرفة ويحرص على إجادتهم لها؛ لأن الأسطى المعلم ليس والدهم، بل لعله لا يريد للصبي الذي أُوكلت إليه مهمة تعليمه أن يتقن الحرفة كي لا يتركه أو ينافسه يومًا ما، وأدى هذا إلى قلة أعداد الحرفيين المهرة.
ومن ثم، فقد انعكس الحال في المجتمع فيما يخص أعداد المنخرطين في كلا صنفي التعليم؛ ففي الوقت الذي كانت فيه أعداد المقبلين على تعلم الحرف كبيرة في الماضي كان يتم قبول وتخريج أعداد قليلة من التعلم المدرسي والجامعي، وكان يحظى أولئك الخريجين كأمثالهم من متعلمي الحرف بأساتذة يهتمون بتعليمهم ونقل خبراتهم العملية إليهم. أما الآن، ومع انعكاس الوضع فقد خسر المجتمع الحرفيين المهرة ولم يكسب في المقابل من تعلموا تعلمًا مدرسيًا مرموقًا، وصرنا إلى عصر لا يجد فيه التلميذ المعلم الكفء، فإن وجده فهو يبخل عليه بما عنده، مما أدى لتأخر المجتمع ككل وتراجعه.
ولا أريد أن أمعن في النظر إلى نصف الكوب الفارغ وأنسى النصف الملآن، ففي العقد الأخير تحسنت فرص من يريد أن يتعلم تعلمًا أكاديميًا مرموقًا؛ فأصبح بإمكانه تعليم نفسه ذاتيًا مستعينًا بالمحتوى المعرفي الهائل المتاح على شبكة الانترنت.
كما وجدنا منارات على الطريق، وجدنا من يسخر عمره لتعليم أجيال جديدة ونقل خبراته إليهم، وليس فقط أن يهتم بنفسه ويرفع من شأنها ماديًا ومعنويًا. شاهدنا د.مجدي يعقوب ينشئ مركزًا لعلاج أمراض القلب بأسوان، ويدرب ويعلم فريقًا طبيًا من أطباء القلب على أعلى مستوى. شاهدنا راهب الطب د. حسين خيري نقيب الأطباء السابق، الذي سخَر عمره لتعليم طلاب الطب، ويحرص أن يعطي سنويًا دورة مجانية في الجراحة لطلاب السنة السادسة بطب القصر العيني.
ولكن، حتى لا نسرف في التفاؤل، لا يجب أن ننسى أننا بحاجة إلى إعادة تكوين وهيكلة لنظمنا التعليمية العامة منها والفنية. بحاجة إلى منع الغش في الامتحانات كي لا يحصل على أي شهادة إلا من يستحقها. بحاجة إلى زيادة الاهتمام بالجانب العملي من الدراسة بالمدارس والجامعات ومحاسبة من يقصر في تدريسه. بحاجة إلى ربط التعليم بسوق العمل؛ برفع قيمة الحرف في المجتمع، وإنشاء كليات لتعليمها تعليمًا حقيقيًا وليس صوريًا، كما يحدث في المدارس الفنية التي تعطي شهادات لا قيمة لها. بحاجة إلى الاستعانة في تلك الكليات بالبقية الباقية من الحرفيين المهرة لتعليم الأجيال الجديدة.
والأهم أن ندرك أن جزءًا كبيرًا من حل المشكلة يكمن في أيدينا.
لا تكن أنانيًا.. علِّم غيرك.. انقل خبراتك.. ساهم في بناء مجتمعك.