الثلاثاء، 5 يوليو 2016

23-عجوز بني إسرائيل

عجوز بني إسرائيل

د. منى زيتون

الأحد 8 نوفمبر ‏‏2015‏

http://www.arabpens.com/2015/11/blog-post_3.html

مزيد ومنقح ضمن مقالات كتابي "تأملات في كتاب الله"

 

كثيرًا ما يدور الحديث بيني وبين الأصدقاء عن حياة الأنبياء ومدافنهم، لأدرك أن كثيرين لا يعلمون أن جثمان يوسف عليه السلام مدفون –على الأرجح- في بلاد الشام، وتحديدًا في المدينة التي تُعرف اليوم بـ "الخليل"، في مقبرة في المسجد الإبراهيمي، والتي تضم قبور سيدنا إبراهيم وزوجته السيدة سارة، وسيدنا إسحق وزوجته السيدة رفقة، وسيدنا يعقوب وزوجته الأولى السيدة ليا، وسابعهم هو سيدنا يوسف عليهم جميعًا وعلى نبينا السلام، والقبور السبعة معروفة ومشهودة بالحرم الإبراهيمي إلى يومنا هذا.

فكيف خرج يوسف عليه السلام من مصر ومن الذي أخرجه أو بالأحرى أخرج جثمانه بعد مماته من مصر؟!

أقول: كما شاء الله أن تكون قصة حياة يوسف عليه السلام أجمل قصة في تاريخ البشرية، فقد شاء الله أيضًا أن يكون لموته ودفنه قصة عجيبة تستحق أن تُروى لنستخلص منها العبر.

عاش يوسف عليه السلام في أرض مصر منذ دخلها بعد قصته الشهيرة مع إخوته وحتى مات ودفن بأرضها، وظل مدفونًا بها إلى أن نقله موسى عليه السلام إلى مدافن آبائه بالأرض المقدسة، وذلك عند خروجه من أرض مصر؛ حيث عبر موسى عليه السلام ومعه بني إسرائيل البحر ومعهم جثمان يوسف عليه السلام. وكان يوسف عليه السلام قد أوصى علماء بني إسرائيل إذا خرجوا من مصر ألا يخرجوا حتى ينقلوا عظامه معهم.

جاء في سفر الخروج، الإصحاح الثالث عشر ﴿وَأَخَذَ مُوسَى عِظَامَ يُوسُفَ مَعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَحْلَفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحَلْفٍ قَائِلًا: "إِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا مَعَكُمْ"﴾. [خر: 13: 19].    ‏

وورد حديث شريف يثبت هذه الوصية

روى الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (3523/660) حديثًا صحيحًا على شرط البخاري ومسلم، وافقه عليه الذهبي في "التلخيص"، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي فأكرمه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعهدنا ائتنا" فأتاه الأعرابي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ‏حاجتك؟" فقال: "ناقة برحلها وبحر لبنها أهلي". فقال رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم: "عجز هذا أن يكون كعجوز بني إسرائيل" فقال له أصحابه: "ما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله؟" ‏فقال: "إن موسى حين أراد أن يسير ببني إسرائيل ضل عنه الطريق، فقال لبني ‏إسرائيل: "ما هذا؟" قال: فقال له علماء بني إسرائيل: "إن يوسف عليه السلام حين حضره الموت ‏أخذ علينا موثقًا من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا". فقال موسى: "أيكم يدري أين قبر ‏يوسف؟" فقال علماء بني إسرائيل: "ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل، فأرسل إليها موسى، فقال: ‏‏"دلينا على قبر يوسف". قالت: "لا والله حتى تعطني حكمي". فقال لها: "ما حكمك؟". قالت: "حكمي أن أكون ‏معك في الجنة"، فكأنه كره ذلك. قال: فقيل له: "أعطها حكمها"، فأعطاها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة ‏مستنقعة ماء، فقالت لهم: "انضبوا هذا الماء –أي جففوا هذا الماء-"، فلما أنضبوا قالت لهم: احفروا ‏فحفروا، فاستخرجوا عظام يوسف، فلما أن أقلوه من الأرض، إذا الطريق مثل ضوء النهار"‏.

وأخرجه الحاكم (4088/97) من طريق آخر، وأخرجه ابن حبان (723)، وأورده أبو يعلى في مسنده (ورقة 339/أ)، والسيوطي في "الدر المنثور" في تفسير سورة الشعراء.

ونعرف ما كان من أمرهم مع فرعون، وليس هذا محط تركيزنا ههنا، بل أرى أن هناك ما يمكن أن نستخلصه ونتعلمه من قصة نقل جثمان يوسف عليه السلام؛ يتعلق بالتقابل بين سلوك العرب وسلوك بني إسرائيل؛ من خلال مقارنة سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حفظ الجميل للأعرابي لدرجة أن تمنى أن يطلب مرافقته في الجنة، رغم أن ما أكرمه به كان بسيطًا ولا شك، ونقيض ذلك من سلوك بني إسرائيل الذين نسوا المواثيق التي أخذها عليهم يوسف عليه السلام الذين ما عرفوا العز إلا به، ولولا أن أضلهم الله عن الطريق وسألهم موسى عليه السلام ما حفظوا عهدهم مع يوسف!

والتقابل الآخر الذي تسبب في تبسم المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ حيث عجز الأعرابي أن ينتهز الفرصة التي واتته حين طلب منه الرسول أن يسأل حاجة ليطلب الرفقة في الجنة مع الرسول بل طلب ناقة وعنزة، بينما انتهزت المرأة اليهودية الفرصة واشترطت على سيدنا موسى ألا تخبره بحاجته إلا بعد أن تكون لها الرفقة معه في الجنة، وأعتقد أن مثل هذا التقابل الأخير يبين لماذا ينجحون دائمًا في مقاصدهم بينما نفشل نحن.