دليل
البراءة من الإفك بين
السيدة
مارية والسيدة عائشة والسيدة مريم
د/منى زيتون
الأحد
12 أبريل 2015
http://www.arabpens.com/2015/04/blog-post_12.html
مزيد ومنقح ضمن مقالات كتابي "تأملات في كتاب الله"
السيدة مارية بنت شمعون،
المعروفة بمارية القبطية، سرية الرسول صلى الله عليه وسلم وأم ولده إبراهيم التي
يسقطونها من حساب زوجاته عليه السلام، رغم أنها ولدت له. عاتبه الله سبحانه وتعالى
عندما حرَّمها على نفسه أو حرّم العسل الذي حمّلها به المقوقس كهدية إليه، وعاتب
فيها زوجتيه اللتين كادتا لها وتوعدهما.
وبعد حادثة التحريم،
أعطاها الله أعظم هدية، وهي أن حملت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما ولدت
مارية إبراهيم، هبط أمين الوحي جبريل على رسول الله فقال: السلام عليك يا أبا
إبراهيم.
وقد أشاع المرجفون في المدينة عنها، وتكلموا في
تكرار زيارة شيخ كبير هو ابن عمها لها، والذي أهداه المقوقس معها ومع أختها إلى
الرسول، وكشف سوأته ليبرئ نفسه ويُعرف أنه مجبوب لا ذكر له.
وهناك من علماء الدين من
يرى أن براءة السيدة عائشة من فوق سبع سماوات من حادث الإفك الذي اُفتري فيه عليها
أبلغ من براءة مارية، ليس اتهامًا لأي من السيدتين الجليلتين، وإنما يرى القائل
بهذا إن ذاك دال على مكانة عائشة. ولا أرى الأمر على هذا النحو.
لم يكن ما حدث مع السيدة
مارية أكثر من مجرد اتهام تلميحي من سييء النية المنافقين الذين لم يدخل الإيمان
قلوبهم، بسبب تكرار الزيارة لها من ابن عمها، وهو الغريب الذي لا يعرف أحدًا
غيرها، وكان يزورها كثيرًا ولا يرى في ذلك بأسًا، وربما يحضر لها الماء والحطب،
ويخدمها، وخاصة وقد أسكنها الرسول صلى الله عليه وسلم بالعالية لغيرة نسائه منها،
وكان من عادة العرب قبل العجم أن يزوروا أهلهم وقد يقيلوا في بيوتهم، وراجعوا
أحاديث كثيرة توضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان نائمًا أو قائلًا في بيت أي
من قراباته.
أما الإفك الذي حيك حول
السيدة عائشة فكان أشدّ وأبلغ وأشنع، ولم يكن قاصرًا على المنافقين ورأسهم ابن أبي
سلول، بل دخل الريب في الصديقة حبيبة رسول الله نفوس مؤمنين، وراجعوا فقط أسماء من
تم جلدهم إقامة للحد في قضية إفك السيدة عائشة لتعرفوا أنهم لم يكونوا من
المنافقين.
بينما لم يقم
الحد على أحد في الإفك على السيدة مارية، ولعله لا يستحق أن يُسمى إفكًا؛ فرسول
الله لم يُحقق فيه، ولم يثبت عن أحد أنه قال شيئًا ذا بال ليُقام عليه الحد أو حتى
ليُسأل عما قال، وهذا يدل على قلة الكلام وتفاهته. ولا توجد ولو رواية واحدة تقول
إن رسول الله سأل السيدة مارية عن مابور. وما حُكي أنه قد أمر بقتل مابور، والقتل
ليس حد الزنا، ومن ثم تأكدنا أن رسول الله لم يشك فيه ولا فيها.
ووفقًا للمعطيات التي
بلغتنا عن القصة برواياتها المختلفة فإن سبب المشكلة وسبب تصعيد حوادثها يتلخص في
أمرين؛ أولهما غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشديدة عليها لما وُصفت به من
الجمال الفائق، فأمها رومية وقد ورثت عنها جمالًا قيل فيه إن المقوقس طلب أجمل بنت
في مصر فكانت مارية وأختها، والسبب الثاني هو ضعف قدرة السيدة مارية ومابور على
الفهم والتحدث باللغة العربية. ولا توجد أي رواية تذكر أن مابور قد نطق كلمة، وفي
هذا تأكيد أنه لم يكن يفهم العربية ولا يتكلم بها بشكل جيد، وعندما فهم الأمر على
أنهم يشكون فيه كان الفعل الذي أتاه عوضًا عن عدم قدرته التعبير بالكلمات.
والأرجح أنه صلى الله
عليه وسلم قد أمر مابور بعدم زيارتها ولكنه كان يعود فيزورها لوطأة الوحدة عليه،
وللاطمئنان عليها لأن المقوقس ما أرسله إلا قيّمًا عليها وعلى أختها، فهما في
أمانته، وربما هو لم يفهم أن رسول الله ينهاه عن زيارتها، أو لأنها هي لم تخبره
بعدم رغبة الرسول في أن يأتي زائرًا، وكيف لها أن تخبر ابن عمها بهذا، ثم من المؤكد
أنها هي أيضًا كانت تأنس به لأنها تجد من تكلمه ويفهم عليها. وهو ما اشتاط وتغيظ
لأجله رسول الله، وتأذى منه.
وعائشة رضي الله عنها لم
يكن للرسول منها ولد، فكان نزول براءتها من السماء كافيًا في تبرئتها من مقالة
السوء، بينما يختلف الحال مع مارية رضي الله عنها، فقد رُزق النبي صلى الله عليه
وسلم منها بإبراهيم، لذا اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون تبرئتها بالمشاهدة لا
بالغيب، فكان لا بد من أن يعرف المنافقون دليل براءتها صونًا لعرض رسول الله.
فالمؤمن الذي ارتاب في
عائشة يكفيه دليل الغيب، بينما المنافق الذي لمّح في شأن مارية لو آمن لكفاه دليل
الغيب، ولكن لكونه منافقًا كان لا بد من دليل المشاهدة ليلجم لسانه ويكف عن
التلميح القذر. لذا فوجود تلك
الاختلافات بين الحادثتين يعد مبررًا كافيًا لاختلاف إظهار دليل البراءة في حق
السيدتين.
أما السيدة العذراء
مريم، ونظرًا لعظم الابتلاء الذي ابتلاها به الله سبحانه وتعالى، فقد جمع الله
تعالى لها البراءتين؛ براءة الغيب فبرأها في كتبه السماوية، وبراءة المشاهدة فأنطق
المسيح عليه السلام في المهد ليشهد ببراءة أمه. وعلى كلٍ فإن براءة الغيب وبراءة
المشاهدة لا تغني شيئًا مع من في قلبه مرض.
ليست هناك تعليقات:
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.