الثلاثاء، 5 يوليو 2016

41-التفكير الناقد كم يفتقده البشر!!


التفكير الناقد كم يفتقده البشر!!
د/ منى زيتون
8 مايو 2016‏
الأربعاء 9 أكتوبر 2019

يُعرف حسن زيتون في كتابه "تنمية مهارت التفكير" التفكير الناقد على أنه: عملية تفكير مركبة عقلانية أو منطقية، يتم فيها إخضاع فكرة أو أكثر للتحقيق والتقصي، وجمع وإقامة الأدلة والشواهد بموضوعية وتجرد عن مدى صحتها، ومن ثم إصدار حكم بقبولها من عدمه اعتمادًا على معايير أو قيم معينة.
من ثم فإن من أهم خصائص المفكر الناقد كما أوردها الباحثون ما يلي:
·        الإلمام بالفكرة/الأفكار المراد نقدها.
·        الانفتاح على الأفكار الجديدة.
·        لا يجادل في أمر عندما لا يعرف شيئًا عنه.
·        يعرف متى يحتاج إلى معلومات أكثر حول شيء ما.
·        يعرف الفرق بين نتيجة "ربما تكون صحيحة" ونتيجة "لا بد أن تكون صحيحة".
·        يعرف بأن لدى الناس انطباعات مختلفة حول فكرة ما.
·        يستطيع تجنب الأخطاء الشائعة في استدلاله على الأمور.
·        يتساءل عن أي شيء يبدو غير معقول أو غير مفهوم له.
·        يستطيع فصل التفكير العاطفي عن التفكير المنطقي.
·        يتخذ موقفًا أو يتخلى عن موقف عند توافر أدلة وأسباب كافية لذلك.
·        يأخذ جميع جوانب الموقف بالقدر نفسه من الأهمية.
·        يبحث عن الأسباب والعلل والبدائل.
·        يتعامل مع مكونات الموقف المعقد بطريقة منظمة.
·        يستخدم مصادر علمية موثوق بها ويشير إليها.
·        يبقى على صلة بالنقطة الأساسية أو جوهر الموضوع.
وقد حدد بيير Beyer أحد علماء التفكير عشر مهارات فرعية للتفكير الناقد هي:
·        التمييز بين الحقائق التي يمكن إثباتها أو التحقق من صحتها وبين الإدعاءات أو المزاعم الذاتية أو القيمية (التمييز بين الحقائق والآراء).
·        التمييز بين المعلومات والادعاءات والأسباب ذات العلاقة بالموضوع وتلك التي تُقحم على الموضوع ولا ترتبط به.
·        تحديد مصداقية مصدر المعلومات.
·        تحديد الدقة الحقيقية للخبر أو الرواية.
·        التعرف على الادعاءات أو البراهين والحجج الغامضة.
·        التعرف على الافتراضات غير الظاهرة أو المتضمنة في النص.
·        تحري عدم التحيز أو التحامل.
·        التعرف على المغالطات المنطقية.
·        التعرف على أوجه التناقض أو عدم الاتساق في مسار عملية الاستدلال من المقدمات أو الوقائع.
·        تحديد درجة قوة البرهان أو الادعاء.
وترى الكاتبة أن من أهم ما يستلزمه التفكير الناقد هو التمهل في إعطاء الأحكام وتعليقها لحين التحقق من الأمر تحقيقًا للأمر القرآني: ﴿فتبينوا‏﴾، ولما ساقه القصص القرآني من فعل سليمان الحكيم عليه السلام لمّا حكى له الهدهد أمر مملكة سبأ فتمهل، وقال: ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏﴾  [النمل: 27].
ومن البديهي أن يرتبط انخفاض درجة هذا التفكير بالتطرف؛ لأن التطرف يستلزم إعطاء حكم عام على جماعة أو حزب أو مذهب أو فكرة أنها أفضل على الإطلاق، رغم أن أي عاقل منصف –والمتطرف ليس كذلك- قد يرى جوانب سلبية حتى في أفضل الأفكار والآراء الإنسانية؛ ومن هنا تأتي خطورة التطرف الديني تحديدًا؛ ذلك أنه عندما يرتبط التطرف بالدين يصبغ المتطرف فكر جماعته بصبغة إلهية غير قابلة للنقاش، ولا يستطيع أن يفصل فكرهم الإنساني الذي يتحتم وجود أخطاء فيه عن التشريع الإلهي المُنزل؛ لاعتقاده ابتداءً بأن جماعته تحتكر الدين بصورته النقية بينما باقي الجماعات –التي لا يعرف عنها شيئًا- قد شوّهته. والشيء نفسه يمكن أن يُقال عندما يرتبط التطرف بالسياسة، فيصبح كلام الرئيس الملهم غير قابل للنقاش.
ويمكنني القول أيضًا من خلال خبراتي البحثية وتدريسي لمقرر تنمية مهارات التفكير نظريًا وعمليًا، إن التفكير الناقد هو ما يميز الحكماء وراجحيّ العقل، وكان يميز فقهاءنا وعلماءنا في عصورنا الذهبية، كما أنه من المؤكد أن نسبة كبيرة من أفراد مجتمعنا –بل ومن البشر عمومًا- ينقصهم المستوى المتطلب من التفكير الناقد، والذي يجعلنا نضع ‏معايير صحيحة لتقييم ما يُشاع أنه أفضل أو صحيح، فالبشر يستخدمون غالبًا معايير فاسدة متحيزة للحكم بقبول أو رفض الأفكار، ويتأثرون بالبهارج المصاحبة لكثير من الأفكار عديمة القيمة، ويصدقونها دون تمهل، من ثم يسهل شحنهم وتحويلهم إلى متطرفين فكريًا خاصة على المستوى الديني أو السياسي. ولو كانت درجة هذا التفكير مرتفعة لدى نسبة معقولة من البشر لأمكنهم التحكم –ولو قليلًا- في البقية ممن يشاركونهم المعيشة على هذا الكوكب، ولما صدق حدس الملائكة وكانت الأرض عبر التاريخ مسرحًا للفساد وسفك الدماء.
ومن ثم، وبوجه عام يتسم المتطرف فكريًا بتقبله لأوامر السلطة دون إعمال العقل، ولا يستند إلى أسباب موضوعية للحكم. يفتقد المنطق السليم؛ فهو لا يفكر في الأمور بعقلانية واضعًا الهدف نصب عينيه. يفتقد الأمانة العلمية وينتصر لرأي جماعته ولو زورًا حتى لو اضطر للخروج عن جوهر موضوع النقاش؛ لنجد سنيًا متطرفًا يسب شيعيًا بأنه مجوسي وابن المتعة، فيرد الشيعي المتطرف بدوره بسب أبي بكر وعمر وذكر جهاد النكاح، فكلاهما مهتم بأن يكون على حق وليس مهتمًا بالبحث عن الحقيقة. وكذا يحدث في النقاشات السياسية، فيفتقد هؤلاء كل ما له صلة بالتفكير الناقد.