الثلاثاء، 5 يوليو 2016

42-مشكلات علم الحديث

42-مشكلات علم الحديث
د/منى زيتون
22 مايو 2016

كان المسلمون في ابتداء الإسلام لا يدونون أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ خاصة وقد ثبت نهيه عن تدوين الحديث، وطلبه لمن كتب شيئًا من حديثه أن يمحه. ثم اتسعت بلاد الإسلام وتفرق الصحابة، ثم مات أغلبهم، فبدأ كثيرون منهم يُقبلون على رواية أحاديث الرسول خوفًا من ضياع العلم.
ثم جاءت مرحلة التدوين. كان أول من أمر بتدوين الأحاديث هو الخليفة عمر بن عبد العزيز، عندما أمر عمّاله في الأمصار بتدوين ما عند ما بقي من الصحابة والصحابيات من الأحاديث، وكان هذا أواخر القرن الأول الهجري.
كان عبد الله بن شهاب الزهري (المتوفي سنة 124هـ) من أشهر رواة الحديث في تلك الحقبة، ولكنه لم يُدون حديثه. كان أول من جمع الحديث في القرن الثاني الهجري، ابن جريج (150هـ)، وابن إسحاق (151هـ)، ومعمّر (153هـ)، وسعيد بن أبي عروبة (156هـ)، والأوزاعي (156هـ)، والربيع بن صُبيح (160هـ)، وسفيان الثوري (161هـ)، وحماد بن سلمة (176هـ)، والإمام مالك (179هـ)، وعبد الله بن المبارك (181هـ)، وهُشيم (188هـ)، وجرير بن عبد الحميد (188هـ)، ومن أشهر مصنفات علم الحديث في هذا القرن: مصنف شعبة بن الحجاج (160هـ)، ومصنف الليث بن سعد (175هـ)، وموطأ الإمام مالك (179هـ)، ومصنف سُفيان بن عُيينة (198هـ)، ومسند الإمام الشافعي (204هـ)، ومصنف ابن عبد الرزاق، وغيرها.
ثم أُلفت في القرن الثالث الهجري أهم كتب الحديث، كونها أفردت حديث الرسول بالرواية ولم تخلطه بأقوال الصحابة، وعلى رأسها كتب السنة السبعة، مسند الإمام أحمد (ت 241هـ)، وصحيح الإمام البخاري (ت 256هـ)، وصحيح الإمام مسلم (ت 261هـ) ، وسنن ابن ماجة (ت 273هـ)، وسنن أبي داود (ت 275هـ)، وسنن الترمذي (ت 279هـ)، وسنن النسائي (ت 303هـ).
ثم بدأ يتشكل علم مصطلح الحديث، وهو علم يُعرف به حال السّند والمتن من حيث القبول والرد، وذلك من منتصف القرن الرابع الهجري، عندما اتجه العلماء إلى تأليف كتب مفردة في علوم الحديث. وكان التقليد قد شاع بين المسلمين، وأصبحت المذاهب الفقهية معروفة، ويكاد يكون باب الاجتهاد قد أُغلِق. ولم يعد أحد يجرؤ أن يتكلم فيما قرر من هو أقدم منه صوابه، ‏وأصبح كل ما يُجمع ويُكتب كأنه قرآن، من يأت بعده ليحاول مناقشته يصبح كأنه أخطأ في ‏كتاب الله، ويتهافت منغلقو الفكر للرد عليه، ويظنون أنهم أقنعوا الناس.‏
وقد كان ولا زال علم الحديث، بسبب تأخر تدوينه، يشكل أحد أهم موارد التطرف الفكري لدى المسلمين، وسبب رئيسي للتنازع بينهم، فنجد متطرفين متشددين رافضين لأي نقد يوجه لأي حديث، وإن خالف صريح نصوص القرآن، وخالف كل عقل ومنطق كحديث الجسّاسة، مع اتهامات منهم للمخالفين بإنكار السُنة، حتى لو لم يكونوا من منكريها فعلًا، ويقابل هؤلاء شكل آخر من التطرف يرد فيه أصحابه كتب الحديث كلها بما فيها مع الطعن في الأئمة، كما نجد محاولة للتوسط بأخذ ما يوافق القرآن ورد الأحاديث التي لا يمكن أن تُقبل، وهو ما سبق إليه كثير من كبار أئمة المسلمين القدماء، وإن كان هذا الصنف أيضًا لا يعجبون المتطرفون من الصنف الأول.
وهنا لا بد من ملاحظة أمرين هامين:
·     تحديد المفاهيم معضلة كبيرة. قد يتبنى شخص مفهوم وينبذه آخر، بسبب تصور كل منهما ‏المختلف له، وفي الحقيقة قد تكون أفكارهما متقاربة.
·     نقد التراث الديني -والأحاديث خاصة- لا يعني رفضه جملة. ولا يعني تعمد نشر روايات شاذة كان من رووها في كتبهم هم أول من نقدوها وحكموا بعدم ‏صحتها، وأساسًا لا يستشهد بها أحد. وهناك أئمة أفاضل لهم مؤلفات تملأ مكتبة أصبح يُساء إليهم لمجرد كلمة نقلوها في موضع، أو ‏رأي لم يصيبوا فيه في مسألة. ولو كان من ينقدهم مثقفًا كما يدعي لعرف قدرهم، ولكن كل ما يعرفه عنهم هو كلمتين قرأهم ‏على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا تساخف وتطرف ضد هؤلاء الأئمة لا يقل غباءً عن تطرف المتشددين، ولو دافع أحد عنهم فستأتيه التهمة الجاهزة بأن هؤلاء ‏الأئمة هم سبب بلاء الأمة!!!‏.
وأقول، الأمة قد زادت أسباب بلائها حتى لم تعد تُحصى، ولكن ليس أئمتكم القدماء من بينها، ولو كان لكم معشار قدراتهم التفكيرية وإنصافهم ما آل حالنا إلى ما آل إليه.