الأربعاء، 6 يوليو 2016

52-صفات الله تعالى عند أهل السُنة والجماعة

صفات الله تعالى عند أهل السُنة والجماعة
د/منى زيتون
الجمعة 31 مايو 2019

يمكن تلخيص اعتقاد أهل السُنة الأشاعرة والماتريدية في صفات الله تعالى في مقولة تُنسب للإمام الأشعري، حيث قال: "إثبات ذات غير مشبهة بالذوات، ولا معطلة عن الصفات". وهم يميزون بين الصفة والوصف. والصفات المعتبرة عندهم لله تعالى هي:
·        صفة نفسية ذاتية: وهي الوجود.
·        صفات سلبية: تسلب النقص عن الله، وهي خمس صفات (القدم- البقاء- المخالفة للحوادث- القيام بالنفس- الوحدانية).

·        صفات المعاني: وهي صفات زائدة على ذات الله، وهي معاني قائمة بها، وتسمى الصفات الوجودية لأن لها حقيقة وجودية وليست اعتبارية، وهي سبع صفات (الحياة- العلم- القدرة- الإرادة- السمع- البصر- الكلام).




إضافة لذلك توجد صفات تُسمى صفات الأفعال، وهي أفعال يحدثها الله تعالى في مخلوقاته، لا تختص بذات الله.
والأشاعرة يُنزِّهون الله تعالى أن يُشابه الحوادث، كما يُنزِّهونه أن تحل فيه الحوادث، ومسلكهم في هذا أن النصوص التي تحوي ألفاظًا موهمة بالجوارح لله سبحانه وتعالى، أو أي شكل من أشكال المشابهة مع الخلق، إما أن يُفوضوا علمها إلى الله سبحانه وتعالى، أو يؤولونها وفقًا للمعروف في لسان العرب، حتى لا يقع العوام في التشبيه، والتأويل إليهم أقرب، وهم في هذا يوافقون سائر أهل الإسلام عدا السلفية الذين شذّوا فأثبتوا ما يُسمى الصفات الخبرية لله، بدعوى أنه جاءت بها الأخبار.
وليس نفي الأشاعرة أن تكون أمثال تلك الألفاظ (اليد- الوجه- العين) من صفاته تعالى تنزيهًا لله فقط، بل أيضًا لأن أيًا منها لا ينطبق عليها مصطلح صفة، فليست من صفات المعاني الوجودية سواء معنوية أو حسية، ولا تقبل الاشتقاق منها للوصف، وكلها جاءت بها النصوص مضافة إلى ذات الله، وليس كل مضاف صفة، ومن قواعد لسان العرب أن الصفة تتبع الموصوف ولا تُضاف إليه استباقًا، ومقارنة بين تلك الألفاظ وبين ألفاظ العلم والسمع والبصر كافية لإدراك الفارق لمن يفهم.
وكذا ما أصر السلفية على اعتباره صفات ذات لله تعالى كـ (الاستواء- النزول)، ما هي –إن أُخذِت على معناها الظاهر تعالى الله عن ذلك- إلا أكوان وتغير هيئات تُعبر عن تحرك الذات –وذات الله لا تنتقل-، وليست معاني وجودية تقوم بذات موجود، فلا تُسمى صفات ذات حتى لو صحّ اشتقاق اسم فاعل منها، لأن صفات الهيئة والكون لا تثبت. والأشاعرة إما يفوضون المعنى فيها أو يؤولونه، وهناك من علماء الأشاعرة من يضم الاستواء والنزول إلى صفات الفعل.
وهناك دائمًا تركيز على صفات المعاني السبع، فهي الصفات المعتبرة، والتي كثيرًا ما تُسمى صفات الذات، في مقابل صفات الفعل. يذكر علي سامي النشار في "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام" (ج1، ص236) أن الإمام أبا حنيفة كان أول من تكلم في شأن توحيد الذات والصفات، وينقل نصوصًا لأبي حنيفة من "الفقه الأكبر". يقول النشار –ناقلًا عن أبي حنيفة-: "إن الله تعالى واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له". وهو أول من حدّد صفات الله وفرّق بينها. "‏يقول أبو حنيفة: إن الله لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية. ومعنى لم يزل ولا يزال أنه لم يحدث له اسم من أسمائه ولا صفة من صفاته. والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل: أن كل صفة يوصف الله تعالى بها، ولا يوصف بضدها هي صفة ذاتية كالعلم والحياة والكلام، وكل هذه صفات قديمة. وصفة الفعل هي الصفة التي يوصف الله تعالى بضدها كالخلق والرزق، فكان أبو حنيفة هو أول من وضع هذه الفروق الدقيقة بين صفات الله".
"وقد حدد أبو حنيفة الصفات الذاتية بسبع فيقول: هي (الحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة)، وأصبح هذا هو العدد الرسمي عند أهل السنة جميعًا أشعرية وماتريدية. أما الصفات الفعلية فعددها لا حصر له. ويؤكد أبو حنيفة أن تلك الصفات قديمة فلم يحدث له تعالى اسم ولا صفة، أي أن الله مع صفاته وأسمائه كلها، أزلي لا مبدأ له، وأبدي لا نهاية له، لأنه لو حدثت له صفة من صفاته أو زالت عنه لكان قبل حدوث تلك الصفة وبعد زوالها ناقصًا وهذا محال. فالله لم يزل عالمًا بعلمه الذي هو صفته الأزلية لا بعلم لاحق يلزم منه جهل سابق، والعلم صفة في الأزل، وما ثبت قدمه استحال عدمه. فعلمه أزلي أبدي منزه عن قبول الزيادة والنقصان، قادرًا بقدرته، والقدرة صفة في الأزل، متكلمًا بكلامه الذاتي، والكلام صفة في الأزل، وخالقًا بتخليقه، والتخليق صفة في الأزل، -والمعنى أن الله تعالى موصوف في أزله بالخالق، فكونه قادرًا على الخلق قديم أزلي، رغم كون الخلق من صفات الفعل-، وفاعلًا بفعله، والفعل صفة في الأزل، والمفعول مخلوق، أي أنه حدث عندما تعلق فعل الله به، وفعل الله غير مخلوق، إنه ليس بحادث، بل هو قديم كفاعله، إذ لا يلزم من كون المفعول مخلوقًا كون الفعل مخلوقًا".
""وصفاته في الأزل" أي صفاته الذاتية والفعلية –عند أبي حنيفة- ثابتة في الأزل، غير محدثة ولا مخلوقة. ويرى أبو حنيفة أن من قال بأن صفات الله مخلوقة أو محدثة، أو وقف أو شك فيها، فهو كافر". والأشاعرة متفقون على قدم الذات والصفات له تعالى، فكل من ذاته وصفاته تعالى قديمة أزلية. والقديم هو الواجب وجوده، الممتنع تقدير انتفائه.
والأشعرية ترى أن صفات ذات الله حقيقة أزلية ولكنها ليست عين ذاته –كما قالت المعتزلة-، فأثبتوا لله صفات لا هي ذاته ولا هي غير ذاته. وهي قديمة بقدمه تعالى، ومعنى هذا  أن العلم صفه ثابتة قديمة من صفاته تعالى، ولكنها ليست جوهره أي ذاته، ولا يقال: إن الله مريد بإرادة وإرادته ذاته. يذكر النشار في مقدمة تحقيقه لـ "الشامل في أصول الدين" للجويني (ص68-69) "أما عن الصفات الإلهية، فإن الأشعري يثبتها قائمة بالذات، ذاهبًا إلى أنها ليست عين الذات وليست بخلاف الذات. ورأيه في ذلك أن الصفات الإلهية قديمة قدم الذات. يقول الأشعري: "من الثابت أن الله عالم قادر، ولا بد أن يختلف مفهوم العلم عن مفهوم القدرة وإلا كان الله عالمًا بالقدرة قادرًا بالعلم، ولا بد أيضًا أن يكون هناك تمايز بين الذات والصفات، وإلا كان تعقلنا للذات متضمنًا تعقلنا للصفات، لكن الأمر ليس كذلك. وإذن فلابد أن يكون مفهوم الذات غير مفهوم الصفات، وأن يكون المفهوم من إحدى الصفات مختلفًا عن المفهوم من الصفات الأخرى. وذهب الأشعري إلى أن الذات قائمة بنفسها وأن الصفات تقوم بها"أهـ.
جاء في "جوهرة التوحيد" للإمام اللقّاني حول صفات المعاني (صفات الذات):
حيٌ عليمٌ قادرٌ مريدٌ **** سميعٌ بصيرٌ ما يشاء يريدُ
متكلمٌ، ثم صفات الذات **** ليست بغير أو بعين الذات
يقول الشهرستاني في "المِلل والنِحل" (ج1، ص82): "قال أبو الحسن الأشعري: الباري تعالى عالم بعلم، قادر بقدرة، حيٌ بحياة، مريد بإرادة، متكلم بكلام، سميع بسمع، بصير، وله في البقاء اختلاف رأي. قال: وهذه صفات أزلية قائمة بذاته، لا يُقال هي هو ولا غيره، ولا لا هو ولا لا غيره".
ويوضح أبو المظفر الإسفراييني في "التبصير" (ص141) "لا يجوز فيما ذكرناه من صفات القديم سبحانه أن يُقال: إنها هي هو أو غيره، ولا هي هو ولا هي غيره، ولا أنها موافقة أو مخالفة، ولا أنها تباينه أو تلازمه، أو تتصل به أو تنفصل عنه، أو تشبهه أو لا تشبهه، ولكن يجب أن يُقال: إنها صفات له موجودة به، قائمة بذاته، مختصة به، وإنما قلنا إنها "لا هي هو" لأن هذه الصفات لو كانت هي هو لم يجز أن يكون هو عالمًا، ولا قادرًا، ولا موصوفًا بشيء من هذه الأوصاف. وإنما قلنا لا يُقال إنها غيره، لأن الغيرين يجوز وجود أحدهما مع عدم الآخر". فصفات الله إذن: لا هي هو، ولا هي غيره".
وكانت مشكلة وحدة الذات والصفات من شواغل فلاسفة المسلمين من الأشاعرة والمعتزلة، وعلى عكس الأشاعرة قال المعتزلة بأن ذات الله قديمة، وأن صفات الله عين ذاته. وقد شغَّب بعض المعتزلة على الأشاعرة لإثباتهم ذاتًا وسبع صفات قديمة ليست عين الذات، وحاولوا تصوير الأمر على أن لهم ثمانية أقانيم، وهذا تشنيع؛ فالذات واحدة مهما تعددت الصفات الموصوفة بها. يقول السبكي في "طبقات الشافعية" (ج2، ص300) "يقول سائر المعتزلة للصفاتية -أعني مثبتى الصفات-: لقد كفرت النصارى بثلاث وكفرتم بسبع، وهو تشنيع من سفهاء المعتزلة على الصفاتية. ما كفرت الصفاتية ولا أشركت وإنما وحّدت وأثبتت صفات قديم واحد، بخلاف النصارى، فإنهم أثبتوا قدمًا فأنى يستويان أو يتقاربان".
والأشاعرة والماتريدية يثبتون صفات الأفعال لله تعالى، ولا ينفونها كما يدّعي السلفية. وكما قال الجويني في "الإرشاد" (ص72) "الأفعال دالة على كونه حيًا"، لكن يوجد فرق بين الأشاعرة والماتريدية في صفات الأفعال؛ فلم يتابع الأشعري أبا حنيفة في كونها قديمة، بينما تابعه الماتريدي. ذكر البيجوري في "حاشيته على جوهرة التوحيد" (ص153) "صفات الأفعال، ليس شيء منها بقديم عند الأشاعرة، بخلافه عند الماتريدية؛ لأنها عند الأشاعرة تعلقات القدرة التنجيزية الحادثة، وعند الماتريدية هي عين صفة التكوين". والمقصود بتعلقات القدرة التنجيزية؛ أن التخليق تعلق القدرة بإيجاد المخلوق، والترزيق تعلق القدرة بإيصال الرزق، وهكذا. والخلاف في صفة التكوين أول الخلافات المعتبرة بين العقيدتين.
وللغزالي في "الاقتصاد في الاعتقاد" (ص116-117) توضيح حول صفات الأفعال؛ فيُمثِّل الغزالي بأن "السيف في الغمد يسمى صارمًا، وعند حصول القطع به يسمى صارمًا أيضًا. فالسيف في الغمد صارم بالقوة، والسيف عند حصول القطع صارم بالفعل. وكذلك الحال بالنسبة إلى الخالق، الرزاق، الجواد. هذه الأسماء تصدق على الله في الأزل. فقدرة الله وإرادته تتعلق بالخلق والإيجاد أزلًا أبدًا، ولكل الممكنات، فعندما تتحقق عملية الخلق بالفعل، لم يكن قد تجدد أمر في الذات. بل كل ما يُشترط لتحقق فعل الخلق موجود في الأزل. ويتحقق فعل الخلق عند إيجاد المخلوق أو الشيء"أهـ.