الأربعاء، 6 يوليو 2016

60-كيف لا زلنا نراها ثورة؟! خواطر سياسية في ذكرى 25 يناير 2011م

كيف لا زلنا نراها ثورة؟!

خواطر سياسية في ذكرى 25 يناير 2011م

د/منى زيتون

الأربعاء 25 يناير 2017

الثلاثاء 31 يناير 2017

https://www.sasapost.com/opinion/thoughts-on-the-anniversary-of-january-25/

يتنازع الناس حول توصيف ما حدث في ذلك اليوم. هل كان ثورة حقيقية ضد نظام مبارك أم مؤامرة ‏حقيقية على مصر، ورغم نص الدستور المصري الجديد على أن ما حدث في 25 يناير 2011م كان ثورة، إلا ‏أن نسبة لا يُستهان بها من الشعب المصري أصبحت تؤمن إلى حد اليقين أنها لم تكن أكثر من مؤامرة ‏ضمن مسلسل التآمر على البلاد العربية.‏

ومما يعزز ذلك الفهم لدى كثيرين أنه لمّا لاح أن الجيش المصري في طريقه لأن يعزل الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين من الحكم ‏في مصر، ظهرت لنا في مارس 2013 العصابات الدينية المسلحة في العراق والشام، المعروفة ‏باسم داعش، وملأ الإرهابيون سيناء للمساهمة في إحداث عمليات تخريب لا زالت مستمرة إلى اليوم.

لكن كيف لا زال كثيرون –وأنا منهم- يرون ما حدث يوم 25 يناير ثورة وليس مؤامرة بعد كل ما تلاها من حوادث؟


طبيعة المصري

لعموم المصريين طبيعة سهلة بسيطة راضية، لا تسعى للصدام وخلق النزاعات. طالما لعبت هذه الطبيعة دورها في خضوع المصريين لحكامهم وقلة ثوراتهم. كانت 25 يناير المرة الوحيدة التي آمن فيها الشعب المصري بقدرته على التغيير، فثار دون احتياج لقائد يتقدم الصفوف، ولكنهم اغتالوا هذا الإيمان وأقنعوا الشعب الذي ثار أنه كان مدفوعًا نحو الثورة بفعل قوى خارجية.

هذه الرؤية سوّق لها في الداخل كل من أراد إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة، بما فيها من فساد وظلم اجتماعي، كما روّج لها كل من كره روح الثورة وما يمكن أن تصنع في المصريين.

بدأ تشويه الثورة بنسبة قيادتها إلى أفراد اُتهموا بالعمالة، رغم أن من نزلوا إلى الميدان لم يعرفوا أيًا منهم! ولم يقتصر الأمر على ذلك بل وتم تشويه ميدان التحرير كرمز. لم يعد رمز الحرية الذي يسعى زعماء العالم لزيارته عندما يزورون القاهرة، بل أصبح رمزًا للتحرش وانعدام الحياء وغيرها من الصفات التي لم تكن فيه وقت الثورة، ولكنها لازمته فيما جرت بعدها من حوادث.

كان واضحًا لكل ذي لُب أن المطلوب أن يقتنع كل من شارك في الثورة وأيّدها من عامة المصريين أنهم سيقوا إليها وغُرِّر بهم، ولم يثوروا على الظلم الاجتماعي الذي كان قد طفح منه الكيل.

المطلوب ببساطة ألّا تتكرر الثورة.


حكم الإخوان

ثم وصل الإخوان إلى السلطة بطريقة مطعون فيها، وحسابات سياسية منعت وصول المرشح الرئاسي الفائز إلى الحكم. خبر نجاح أحمد شفيق سرّبه كل المقربين من لجنة الانتخابات وأعضاء المجلس العسكري. كان مرسي شخصًا طيبًا تم الزجّ به في هذا المنصب لصدق انتمائه للجماعة، وشخصيته التي لا تحمل أي بذور للتمرد، وكان وصوله للحكم جزءًا أساسيًا من سيناريو ضمان عدم تكرار الثورة على حكم أي عسكري يحكم مصر مرة أخرى.

كان عام حكم الإخوان حربًا باردة بينهم وبين قيادات الجيش؛ حاول فيه الجيش إفشال حكمهم، بينما حاول الإخوان السيطرة على مفاصل الدولة من خلال الرئيس المنتمي إليهم. حاولوا الاستئثار بالمناصب، وبفرص التعيينات المتاحة للخريجين، بل حتى الجامعات التي من المُفترض أن تنتفي الوساطات في التعيين بها عيّنوا أعضاء جماعتهم تخطيًا لمن هم أحق منهم. شاهدت وسمعت هذا كشاهد عيان في إحدى جامعات الصعيد على سبيل المثال.

لكن بقيت القوة الحقيقية في يد الجيش.


الإخوان وأوهام الخلافة

لعل من أكثر ما أخاف المصريين من الإخوان هو تقاربهم مع الأتراك، ورغبتهم في إعادة ما يسمونه الخلافة التي يعتبرون استعادة حضارة الإسلام وأمجاده الزاهية رهينة بها؛ فهم يرفضون تمامًا فكرة الدول القُطرية المنفصلة، والتي على رأس كل منها إمام. الأخوة الزيدية في المقابل، ومنذ أكثر من ألف عام، رضوا وأقرّوا قيام دول قطرية منفصلة، وأن يكون لكل منها إمام عادل، فركزوا على عدالة الإمام، وليس على اتساع الملك كأساس لنجاح الحكم وإقامة مقاصد الله في الأرض، وعجز باقي المسلمين حتى الآن أن يعووا ما وعته الزيدية!

وعادة يستخدم دُعاة الخلافة مغالطة عدم ترابط عجيبة، فالدولة العثمانية التي يتحسرون عليها لم تقدم للمسلمين الأمجاد، وكان تاريخ دولتهم كله حروب. لم يصنعوا لنا حضارة، بل سلبونا الحضارة. أما ما نراه من تقدم لتركيا الحديثة، فكلنا نقر بنجاح أردوغان على المستوى الاقتصادي في تركيا -والذي تحكمه قوانين الاقتصاد الرأسمالي- رغم وجود فساد في بعض القطاعات لا تعنينا كما لا يعنينا نجاحه الاقتصادي؛ كوننا لسنا مواطنين أتراك. بينما يعنيني كمواطنة مصرية استقلالية بلدي، وعدم السماح بإعادة بلدي للوراء، وهو الشيء الوحيد الذي جنيناه من الاحتلال التركي العثماني المسمى بالخلافة العثمانية. لكن لا يمكن أن نلغي ما يجمعنا بالأتراك من تاريخ وجغرافيا، وثقافة مشتركة، كما ينادي المتعصبون من الجانب الآخر.

ولعل دعاوى الخلافة تلك التي لم ينكرها الإخوان، ولم يحترزوا من الإشارة إلى رغبتهم فيها، قد ساهمت في إذكاء روح الثورة التي لم تكن قد وُئدت بعد، وعندما ظننا كمصريين أن بلدنا سيُختطف، وسيضيع، ووجدنا تشجيعًا من الجيش للقيام بثورة ضد حكم الإخوان، شارك ملايين في الإطاحة بهم، متصورين أننا سنعيد الدفة إلى الوجهة التي أملناها بعد 25 يناير.


30 يونيو

أول ما يبرز عند ذكر 30 يونيو نقاش محتوم حول توصيف ما حدث بالثورة أم الانقلاب، ونقاش آخر عن فض اعتصام رابعة العدوية، وهل كان اعتصامًا سلميًا تم فضه بالقوة، كما يراه الإخوان، أم اعتصامًا مدججًا بالسلاح تم فضه سلميًا، ومن سقطوا من ضحايا كانوا بسبب إصرار الإخوان على استخدام الأسلحة، حسب الرواية الرسمية.

لكن كلا النقاشين لا أهمية لهما قياسًا بالنتائج التي ترتبت على ذلك الحدث، والتي يمكن تلخيصها بأننا قد قتلنا توازن القوى الذي كان يحكم العلاقة بين الإخوان والجيش في مصر، وخلقنا بأيدينا قوة واحدة متوحشة متفردة تحكم مقدرات مصر. على الأقل، عندما أُشيع أن هناك اتفاقيات تُدبر لتفقدنا أجزاء من أراضينا في عهد الأخوان كانت هناك قوة مضادة للجيش منعت من تنفيذ تلك الاتفاقيات، بينما الآن، وفي ظل القوة الوحيدة على الأرض فأراضينا في خطر، ورئيسنا يتعامل معنا كالأطفال الذين يجب أن يكفّوا عن النقاش، لأنه وحده من يقرر!

 وبعد ست سنوات من ثورتنا وثورات ما يُسمى الربيع العربي، أشعر أن قناعاتي وقناعات كثيرين قد اختلفت كثيرًا في ضوء ما أسفرت عنه الحوادث. تحول كثيرون إلى الاقتناع بأن ليس حكم السلفيين والإخوان هو الإشكال الوحيد والعائق للتقدم الحضاري في ضوء أفكارهم عن الخلافة وتكوين الدولة، وأفكارهم التكفيرية لباقي الفرق والمذاهب الإسلامية؛ فبمقارنة عهد مرسي بعهد السيسي، وصل كثيرون إلى الاقتناع بأن الحكم العسكري قد يكون الأسوأ. أما أن تتحكم ميليشيات عسكرية دينية، كما هو الحال في سوريا وليبيا، والذي تستخدمه قيادتنا السياسية كفزّاعة لنا، فذلك هو الجحيم الذي لا يضاهيه جحيم على الأرض. عافانا الله منه.

ورغم كل ذلك، وقبله، وبعده، ستبقى 25 يناير 2011 ثورة مجيدة في تاريخ مصر من الصعب أن تتكرر.