الثلاثاء، 5 يوليو 2016

7-النزعة العنصرية لدارون ونظريته وما نشأ عنها


النزعة العنصرية لدارون ونظريته وما نشأ عنها

من وحي مظاهرات بالتيمور بأمريكا

د.منى زيتون

الخميس 30 ‏أبريل 2015‏

http://www.arabpens.com/2015/04/blog-post_5.html

الاثنين 24 يونيو 2019

http://www.almothaqaf.com/a/qadaya2019/937867

 

يقول تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].

وشتان بين نظرة الإنسان لإنسان من سلالة أو شعب أو قبيلة تختلف عنه على أنه أخوه من أمه وأبيه؛ من حواء وآدم، وبين أن ينظر إليه على أنه من سلالة أو عرق أدنى منه وأقل تطورًا.

وكثيرون من الحالمين بيننا من يظنون أن البشر قديمًا عانوا من التوحش الاجتماعي حيث كان القوي يأكل الضعيف، وأن هذا قد انتهى؛ فنحن نعيش في عصر الحريات، لكن الحقيقة أن البشر لم يتوقفوا عن الإفساد في الأرض منذ بدء الخليقة، سواء كانت أفكارهم أو أفعالهم واضحة أم مستترة.

في القرن الثامن عشر نادى آدم سميث في كتابه الشهير "ثروة الأمم" بالرأسمالية ووجوب ترك الاقتصاد لقوى العرض والطلب، وتحدث عن أيدٍ خفية تحرك الاقتصاد، وأنه يجب ترك قوانين الطبيعة تعمل دون إعاقة. وعليه فإن على الدول ألا تتدخل في إدارة الاقتصاد، وهي الفكرة ذاتها التي روج لها بعد ذلك ويليام جيمس عن أن وظيفة الدولة تقتصر على حراسة شواطئ النهر لضمان تدفق تياره.

وفي كتابه "مقالة في مبدأ السكان" عرض الباحث السكاني والاقتصادي الإنجليزي الشهير توماس روبرت مالتوس مبادئ نظريته، التي قارن فيها بين معدلات تزايد السكان ومعدلات زيادة الإنتاج الزراعي، وبينما قرر مالتوس أن عدد السكان يزيد وفق متوالية هندسية (2، 4، 8، 16)، فإن الإِنتاج الزراعي في المقابل يتزايد بمعدلات أقل، وفق متوالية حسابية (2، 4، 6، 8)، وأوضح في نظريته أن استمرار هذه المعدلات على صورتها التي هي عليها سيتحتم معها نقص الغذاء عن كفاية جميع البشر. 

وجاء في كتابه ما نصه: "إن الرجل الذي ليس له من يعيله، والذي لا يستطيع أن يجد له عملًا في المجتمع، سوف يجد أن ليس له نصيب من الغذاء على أرضه، فهو عضو زائد في وليمة الطبيعة، حيث لا صحن له بين الصحون، والطبيعة تأمره بمغادرة الزمن".

وقد كان لأفكار مالتوس عن "التكاثر السكاني" أثرها الكبير على تشارلز دارون صاحب نظرية النشوء والارتقاء؛ فنجد تلك الأفكار عن نقص الغذاء المتاح أمام أفراد الأنواع الحية ماثلة بوضوح في كتاب "أصل الأنواع"؛ حيث يحدثنا دارون عن الصراع من أجل البقاء، وانتخاب الطبيعة للأفضل! وهو كلام يبدو مغريًا بالتصديق للوهلة الأولى!

وقد أدت نظرية مالتوس للسكان -التي سادت فترة- وابنتها نظرية دارون إلى حدوث العديد من الكوارث الإنسانية التي تمت دون أن تطرف عين لمرتكبيها بعد أن وجدوا المبرر الذي يريح ضمائرهم، فأبيدت شعوب إبادة جماعية، وتم تعقيم عرقيات من تلك التي اعتبرت أقل تطورًا كالهنود الحمر والسود في أمريكا؛ لمنعهم من الإنجاب، لأنهم ليسوا الأعراق الأفضل لاستمرار مسيرة البشرية، وقتل النازيون المرضى في غرف الغاز، وأجروا عمليات التعقيم قسريًا لأجل التنظيف العرقي، كما تمت إبادة ملايين في روسيا لتقليل الوقت اللازم لأجل الوصول للتقدم والتنمية.

فهل حقًا يعتبر الصراع لأجل البقاء أساسًا لاستبقاء الحياة على سطح الأرض؟

إن مراجعة بسيطة للتاريخ الإنساني تجعلنا نقرر أن البشر خاصة لم يتقاتلوا على الغذاء كغذاء، والله تعالى حين خلق الأرض ومن عليها، قدّر فيها أقواتها، فهو لم يخلقنا من أجل أن نتصارع من أجل البقاء، وموارد العالم تكفي كل الخليقة التي خلقها الله وأعطاها عمرًا لتعيش، إن أُحسن توزيع تلك الموارد. فالصراع نحن من خلقناه وأوجدناه، وليس ضرورة لاستمرار العالم.

كما أن ذلك التوازن بين أعداد السكان والموارد تم الحفاظ عليه من خلال آليات عديدة مثل الكوارث والأوبئة والحروب، وقليلًا ما لعبت المجاعات دورًا مشابهًا في تاريخ البشرية، وآلية مثل الكوارث –على سبيل المثال- لا دخل لها بصلوحية الأفراد للحياة، وليست طريقًا للطبيعة أن تنتخب الأفضل!

والأوبئة كذلك قد تكون سببًا في موت جماعة من عظماء البشر لأن مناعتهم ضعيفة، بينما ينجو بشر عاديون وربما بعض السفهاء ممن لا وزن لهم ويستحيل أن يعدوا الأفضل بمقاييس البشر؛ لأن البشر ليسوا حيوانات لتقاس أفضليتهم بقوة أجسامهم!

وعندما انتشر فيرس كورونا سنة 2020 خرج علينا رئيس وزراء بريطانيا ليحدثنا عن مناعة القطيع، ومعناها الحقيقي أن قوانين الانتخاب الطبيعي ستعمل وستقتل الضعفاء والبقاء للأصلح، وذلك بدلًا من أن يقوي دافعية الناس ويتحدث عن التدابير التي اتخذتها حكومته لحماية الناس.

أما الحديث عن تكاثر نوع حي واحد والأعداد المهولة التي يمكن أن ينتجها في فترة زمنية محدودة، وماذا لو بقيت كلها دون أن يكون هناك صراع، وأمثال ذلك مما يسوقه التطوريون، هو حديث مبالغ فيه، فالكائن الحي الضعيف الذي ينتج أعدادًا هائلة في دورة التكاثر الواحدة، لم ينتج كل تلك الأعداد إلا للحفاظ على النوع؛ لأن ما ينجو منها ويبقى أعداد قليلة، وذلك بفعل عوامل كثيرة، وكلما كانت عوامل التهديد أكثر أنتج أعدادًا أكثر، والعكس بالنسبة للأنواع الأقوى فنراها لا تنتج سوى أعداد قليلة في دورة التكاثر الواحدة، وفي الإنسان يتم إنتاج طفل واحد فقط، على الأغلب، في كل حمل.

وفي حال الأنواع الحيوانية الضعيفة، فموت صغارها أو عدم بلوغ الأجنة الميلاد من الأساس، ليس هو الصراع الذي تحدث عنه دارون بين الأفراد البالغة على الغذاء، فهذه مغالطة واضحة، وما نراه في الطبيعة أن أنواع الحيوانات التي تزيد أعدادها تحد من تكاثرها لتفسح لغيرها من الأنواع فرصة البقاء، وليس أنها تستمر تتزايد باعتبارها الأنواع الأفضل والأقوى والأحق بالبقاء كما تفترض نظرية دارون. والأمر ذاته ملاحظ عند تكاثر النباتات فعند ازدحام الأرض الزراعية تحد الأنواع من تكاثرها لإفساح الفرصة للأنواع الأخرى للنمو.

وطالما نتحدث عن الغذاء، فمن المعروف أن سلاسل الغذاء في البيئة الطبيعية لو تُركت تعمل دون محاولة للإخلال بها -كما يحدث عادة من قِبل الإنسان- فإن ذلك كفيل بالحفاظ على التوازن البيئي.

فهل كان دارون عنصريًا؟!

في ضوء ما سجله دارون من آراء في كتابه "رحلة البيغل" عن سكان أرخبيل أرض النار "الفوجيين"، وهي جزر قبالة الساحل الجنوبي لأمريكا الجنوبية، تتضح لنا نزعته العنصرية التي جعلته يراهم جنسًا بدائيًا لا يمكن أن يرتقوا أخلاقيًا وعقليًا لمستوى الإنسان المتحضر! وأنهم همجيون، ولا شك أن أسلافه كانوا يشبهونهم! ووصل الحد إلى أن قارن هؤلاء البدائيين بالإنسان المتحضر، وقال إن الفرق بينهم كالفرق بين الحيوان المستأنس ونظيره المتوحش!

ويمكن تفسير هذه النزعة العنصرية لدى دارون بنشأته؛ فهو من عائلة أرستقراطية مكنته من انتحال دور أكبر بكثير مما هيأه الله لأمثاله من ضعاف العقول. وتاريخه التعليمي الفاشل قبل رحلة البيغل يظهر مستواه العقلي المنحدر.

فحقيقة تشارلز دارون أنه ليس هو الإنسان الطيب الخلوق كما حاول كثيرون ممن تعرضوا لحياته أن يصفوه. دارون هو من صاغ العنوان الفرعي لكتابه "أصل الأنواع" ليكون "الاحتفاظ بالأعراق المفضلة في أثناء الكفاح من أجل الحياة"! وعنوان كهذا يظهر إلى أي حد كانت لدى الرجل نزعة عنصرية واضحة، أنتجت نظرية عنصرية، جرت على البشرية أهوالًا، فعلاقة نظريته واضحة بكل من الداروينية الاجتماعية وادعاء سيادة أجناس على أخرى، وما استتبعها من صهيونية ونازية وإبادة لبعض الأجناس في إفريقيا.

وقد وصل الأمر في أوائل القرن العشرين أن كتب البيولوجي إدوين كونكلن، المعروف بآرائه العنصرية، أن الإنسان الأسود أكثر شبهًا بإنسان نياندرتال من الإنسان الأبيض أو الأصفر، وهذا يثبت أنه أقل تطورًا. ويمكن القول إنه كان –ولا زال- هناك تصور عام لدى التطوريين  أن الإنسان الأسود يمثل السلف المشترك المفقود بين الإنسان والقرد، أو على الأقل إحدى تلك الحلقات المفقودة أو الأقرب إليها.


ومن أشهر الفضائح التي حدثت في هذا الصدد ما عُرف باسم فضيحة "أوتا بينغا"، ووفقًا لموسوعة الويكيبديا: "هو قزم من الكونغو (1883 – 1916)، تم تقديمه في المعرض الأنثروبولوجي في سانت لويس (ميزوري) عام 1904، بوصفه أقرب حلقة انتقالية للإنسان، ثم عُرض في حديقة الحيوان في برونكس عام 1906 في قفص مع بعض القردة على أنه السلف الأقرب للإنسان".


وكان ما حدث لهذا الإنسان البائس الحلقة الثانية من حلقات ظلمه، حيث سبقتها الحلقة الأولى عندما تم أسره بعد قتل المستعمرون البلجيك زوجته وطفليه وسائر أهل قريته، وكان من حظه السيء أن بيع إلى صامويل فيليبس فيرنر Samuel Phillips Verner الذي كان قد سافر إلى إفريقيا لشراء أقزام أفارقة؛ ليتم عرضهم في حدائق الحيوان في أمريكا على أنهم سلف الإنسان الأبيض، والأقرب للقرود، وفقًا لنظرية دارون!


وكان من المنطقي أن تتطور هذه الأفكار العنصرية، وكانت النازية من أكبر الويلات التي ابتلي بها البشر بسبب نظرية دارون بعد حدائق الحيوان البشرية، عندما اقتنع هتلر بسيادة الجنس الآري، وحاول الحفاظ على صفائه، ثم سعى في الأرض فسادًا ليسود هذا العرق باعتباره العرق المفضل.

والرابط المرفق لمقطع مترجم عن الداروينية الاجتماعية وأصول الحرب العالمية الأولى.

Social Darwinism and the Origins of WWI

https://www.youtube.com/watch?v=amLAAAfsGbk

 

وكذلك بُنيت سياسة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا على التمييز العرقي بين البيض والسود الذي أكسبته نظرية دارون لباسًا علميًا زائفًا تستر به.

وهنا قد يقول قائل مدافعًا عن دارون ونظريته إن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان مستمر ودائم منذ بدء الخليقة، وإنه حتى وفقًا لقصة الخلق التي ذكرتها الكتب السماوية فإن أول جريمة قتل على ظهر الأرض قد حدثت من أخ طوعت له نفسه قتل أخيه.

وهذا كلام ولا شك صحيح، فالتمييز العنصري والاستعمار وخلافه من أشكال الظلم الجماعي الذي تقوم به قوميات تجاه أخرى لم يكن وليد منتصف القرن التاسع عشر، لكن التطور هو أيدولوجية تحمل أفكارًا عنصرية، حاولت إعطاء مبرر علمي للتمييز العنصري والصراع بين الأعراق البشرية؛ أي أنه لأول مرة في تاريخ البشرية صار ذلك الظلم مبررًا، بل ويخضع لحكم الطبيعة التي اقتضته!

وقطعًا فإن هذا الاقتناع بنظرية التطور التي هي ليست علمًا؛ إذ لا تستند إلى أدلة علمية موثوقة -رغم كل دعايات التطوريين- قد استتبعه الرغبة في الحفاظ على نقاء ذلك العرق الأبيض المتفوق، باستمرار التمييز والفصل بين الأعراق، ووصل الأمر في أوائل القرن العشرين لقتل وسرقة عظام جثث سكان الأعراق التي اُعتبرت أقل تطورًا، وبيعها للمتاحف في الغرب، ليتم ملء المتاحف بعظام ما سُمي زورًا بالحلقات الانتقالية لأشباه البشر! كما لا يخفى على ذي بصيرة كيف استمد الاستعمار دعمًا قويًا من نظرية دارون.

ولا زال التمييز العنصري ماثلًا في الغرب ضد الهنود الحمر والسود في أمريكا، وضد سكان أستراليا الأصليين، الذين لا زالوا يعتبرون وفقًا للنظرية أيضًا من الأعراق البدائية، وتؤخذ أراضيهم –حتى اليوم- بغير وجه حق لصالح المستوطنين البيض. وهناك الآلاف من الحالات الموثقة لتلك الجرائم العنصرية في تاريخ البشرية، من منتصف القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، ولن يكون آخرها حوادث شغب بالتيمور 2015.

إن الفرق بين الظلمة من مدعي التحضر في زماننا والبشر البدائيين أن البدائي كان أكثر وضوحًا واتساقًا مع نفسه؛ فلم يكن يختلق مبررات كي يتصرف وفقًا لقانون الغاب!