الثلاثاء، 5 يوليو 2016

9-أبو لهب في ثوب عصري!!

أبو لهب في ثوب عصري!

د. منى زيتون

مُستل من كتابي "الإلحاد والتطور.. أدلة كثيرة زائفة"

الأحد 10 مايو ‏‏2015‏

http://www.arabpens.com/2015/05/blog-post_85.html

 

من أكثر الأشياء إزعاجًا أن تجد متعالمًا يحقر من شأن الجهلاء الذين لا يقرأون -على حد قوله-، وهو لا يفقه شيئًا عن هذه النظرية أو تلك مما يدافع عنها! بل هو يدافع عنها ليبدو متعلمًا، ممن ينفون عن أنفسهم الانسياق وراء الخرافات.

منذ زمن، دار حوار في إحدى المجموعات على موقع الفيسبوك عن "حركة الأرض"، وفوجئت بأحد الإخوة السلفيين ينكرها بشدة استنادًا إلى رؤيته العقائدية، والحقيقة أنه كان محترمًا للغاية وراقيًا في حواره، لدرجة دفعتني إلى احترامه، بالرغم من مخالفتي له الرأي تمامًا، فلست من القائلين بثبوت الأرض، ولا أرى أي من أدلة تلك النظرية مقنعة، بل لعلني صُدمت عندما وجدت شابًا راقيًا يردد كلام بعض المشايخ، الذين لا يستحوون من إظهار جهلهم بأبسط قواعد العلوم الحقيقية المثبتة.

لكن ما ساءني في هذا الحوار هو ردود الإخوة المعلقين عليه، فلم يكلف أحدهم نفسه أن يناقشه مناقشة علمية ليفهمه كيف تدور الأرض حول نفسها وحول الشمس، وكيف أن الشمس أيضًا تدور حول نفسها وحول مركز المجرة، ولا تعارض، بل لم يحاولوا الاستشهاد بأي آية قرآنية لتعضيد موقفهم وإفهامه أن حركة الأرض لا تتناقض مع آي القرآن كما يظن، ودون تأويل للآيات وإخراجها من سياقها، وكانت كل ردودهم العقيمة تتلخص في أنك تنكر حقائق العلم، ومن أنت حتى تنكرها؟ والعلماء يقولون، وهذا مثبت ويتم تدريسه في كل بلاد العالم عدا بلدكم!

تكرر المشهد بعد ذلك إلى حد ما في مناقشة على صفحة أحد الأصدقاء، وكان موضوع النقاش هذه المرة هو نظرية النشوء والارتقاء "التطور"، لرائد الدجل العلمي تشارلز دارون، حيث كان صاحب الصفحة يتعجب في منشوره من شعور البعض بوجود تناقض بين النظرية والمفاهيم الدينية، وأنه يرى أن نصوص القرآن الكريم تعضد النظرية. في البداية رددت ردًا مقتضبًا بأنه "عندما يجد العلماء أي أدلة حقيقية تدعم فروض نظرية التطور، يمكننا أن نناقش بعد ذلك مدى اتفاقها أو اختلافها مع آي القرآن الكريم"، وكان ردي هذا لعلمي أن النظرية ورغم مرور أكثر من قرن ونصف على وضع دارون لفرضيتها الأولى "التطور يحدث بآلية الانتخاب الطبيعي!"، ورغم محاولات تطويرها على يد الداروينيين الجدد، ورغم كل الأبحاث في علوم الوراثة والكيمياء الحيوية وعلم الأحياء المجهرية وغيرها، والتي أنفقت على محاولات إثبات صحة النظرية، إلا أن النظرية لا زالت تفتقد للدليل العلمي الحقيقي على صحتها، وأن ما يتم تدريسه للطلبة في أنحاء العالم المختلفة على أنه علم ثابت، هو في الحقيقة مجرد نظرية فرضيتها فاشلة، أعيت العلماء محاولات إثباتها للآن، كما فشل سجل الحفريات في إثبات النظرية المزعومة، فالعلماء عاجزون عن تقرير سجل أحفوري مدعم لصحة النظرية علميًا.

والمهم، أنني فوجئت بطريقة الردود نفسها من الشباب العربي، الذي يتحدث عن العلم ولا يعرفه؛ فهم يدافعون عن نظرية لا يعرفون ما هي أدلتها الثبوتية المُدّعاة أو لديهم فكرة قشورية عنها! وليس على ألسنتهم سوى أن العلماء قالوا هذا، وهذه النظرية تُدرس في العالم بأسره، والتطور يفسر التنوع!

مسكين جاليليو، فلا زال هناك من يعتبر أن مجرد مناقشة أفكار أرسطو هي جريمة تستحق الحرمان الكنسي!

فكرت في منطق هؤلاء الـ......، وكيف أنه لا يختلف بتاتًا عن منطق أبي لهب وزعامات قريش حين قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: "هذا ما وجدنا عليه آباءنا!"، وآباؤهم هؤلاء الذين لا يناقشوهم هم دوكنز وكوين وباقي جماعة التطوريين الجدد! وهم إذ يفعلون هذا يخبؤون جمودهم الفكري، وعدم قدرتهم على الفهم الحقيقي لما يدافعون عنه، وراء ستار من التعالم والتفلسف، ويقبعون آمنين أن لا أحد بإمكانه أن يعري هذا الجمود المتستر وراء العلم الزائف.

متى سيفهم هؤلاء أن جاليليو لو كان فكر بطريقتهم ما ناقش أفكار أرسطو عن حركة الأرض، وأينشتاين لو فكر بذلك التقديس في أفكار نيوتين لما توصل إلى حقيقة الزمن. الدجال الأكبر داروين –ومن سار على دربه- وضع فرضيات إن صدقت ووجدت أدلة علمية تدعمها تكون نظريته صحيحة، وإن فشلت –وقد فشلت بامتياز حتى الآن رغم كل محاولات التزوير والدعم الإعلامي الواضح فهي من النظريات المرضي عنها، والمطلوب أن تبقى، رغم أنها علميًا لا مكان لها إلا في صندوق قمامة العلم-، أقول: إن فشلت يتم تقرير فشلها ببساطة، لا أن نجد شبابًا يدافعون عنها كأبي لهب، لأنها نظرية عظيمة ولا مجال لإنكارها! ولسان حالهم يقول: عنزة وإن طارت!