الأحد، 11 يونيو 2017

80-وانسكبت الجرّة! (ثورة بلا قائد، هل تتكرر؟!)‏

وانسكبت الجرّة! (ثورة بلا قائد، هل تتكرر؟!)
د/منى زيتون
كانت ثورة 25 يناير 2011 فريدةً من نوعها. كان أكثر ما يميزها أنها ثورة بلا قائد؛ لا يمكن أن يُنسب نجاحها لفصيل سياسي. كانت ثورة شعب حقيقية. شعب بلغ به السيل الزُبى، ولم يعد يطيق ما هو فيه. لكن هل تبدّلت أوضاعنا للأحسن، فكف المصريون عن الثورة؟
واقعنا يقول إن كل ما في مصر يسير نحو الأسوأ وباضطراد، لكن كلما حدث حراك شعبي لسبب أو لآخر فشل، مهما كانت قوة السبب.
يوم الجمعة الماضي، الموافق 16 يونيو 2017، قررت مختلف القوى الوطنية –عدا السلفيين- التظاهر بسبب تمرير مجلس النواب المصري اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي نتج عنها التفريط في السيادة المصرية على جزيرتيّ تيران وصنافير.
وبقدر ما كان السبب قويًا، والألم أقوى، بقدر ما فشل التظاهر في ذلك اليوم. أرجع البعض السبب إلى الصيام وشدة حرارة الجو، وسوء التنظيم، ولكنني أرى سببًا أعمق يقف وراء ذلك الفشل.
في المأثور الشعبي، يُحكى عن جحا أنه بات ليلة ولديه جرّة من لبن، حلبه في المساء، على أن يبيعه في الصباح. وفي المنام، أخذ يحلم بأنه بعد أن باع اللبن اشترى به كذا، فلمّا زاد المال اشترى كذا، فكذا، فكذا، حتى وصل به الحال في المنام أن امتلك قصرًا وصار له عبيد، ولمّا لم يطعه أحدهم ضربه بالعصا، ويبدو أنه اندمج في المنام وتحرك في تخته، وإذا بعصاه التي كانت بجواره وهو نائم ترتطم بجرة اللبن فتقع وتنكسر، وينسكب كل ما فيها! ليصحو من أحلامه.
هذه القصة تُضرب كمثل على كل من أفرط في الأحلام وتدّرج فيها، وهو بعد لم يضع أقدامه على أول سُلّمة في طريق تحقيقها. والشباب المصري الذي قرر الخروج يوم الجمعة الماضي لم يختلفوا كثيرًا عن جحا!
أستطيع أن أجزم أن ذكريات ما بعد 25 يناير، كانت سببًا رئيسيًا في فشل حراك الجمعة الماضي. باعتباري واحدة ممن وقّعوا ووقّعن على بيان القوى الوطنية لرفض التنازل المخزي عن تيران وصنافير، تحت عنوان "لن نفرط"، فقد تمت إضافتي إلى مجموعة بذات الاسم على فيسبوك. وأقول إنه بقراءة كثير من المنشورات والتعليقات عليها، أجد أنها كانت على طريقة جحا.
كانوا يتحدثون وكأنهم ثاروا، وكأن ثورتهم نجحت في الإطاحة باتفاقية العار، ثم هم لا يريدون أن يكرروا تجربة 25 يناير ويتركوا الفرصة لفصيل آخر –الإخوان أو غيره- ليستولي على ثمرات حراكهم الشعبي، وبالتالي يجب ألّا يسمحوا لأي شخص مختلف معهم أن ينضم إليهم، وهنا بدأ التحرش بالمخالفين من كل اتجاه، فأحدهم يضع منشورًا يسب عبد الناصر، وآخر يسب السادات، وشخص يسب أحمد شفيق ويتهمه بالانتهازية لإعلانه أن مصر مارست السيادة التامة على الجزيرتين، وتسفيهه تصرفات الدولة، وهذا إخواني،..... ورغم وجود عقلاء رفضوا هذه التصنيفات إلا أن الغلبة كانت للاتجاه الطائش.
الحاصل أنهم لم يهتموا بالخطوة الأولى ويركزوا عليها، وهي إنجاح التظاهر يوم الجمعة، بل كان جُل تركيزهم منصرفًا إلى حصاد الثمار عندما ينجح التظاهر، والذي تعاملوا معه كما لو كان قد نجح بالفعل، مما ترتب عليه تحديد من الذي سيشارك كي لا يُنسب النجاح لغير فرقتهم، بالتالي بدت مظاهراتهم مشرذمة، وكل مجموعة تتظاهر عامدة في مكان يختلف عن المجموعات الأخرى، فالإخوان يتظاهرون عند حلواني العبد في شارع 26 يوليو، ومجموعة أخرى بالجيزة، وأتباع حمدين في حزب الكرامة بالدقي، ومجموعة من الشباب أقرب لفكر 6 أبريل وأتباع خالد علي عند نقابة الصحافيين، بل وصل الأمر إلى الاختلاف في تحديد موعد المظاهرات، فالإخوان –وهذا يُحسب لهم- تحملوا الشمس الحارقة، والشباب الثوري قرر أغلبهم الخروج في الخامسة مساءً!، ولو كانت وزارة الداخلية هي من حاولت دق الأسافين بينهم لإفساد المظاهرات لما استطاعت أن تفعل بهم ربع ما فعلوه هم في أنفسهم.
هم لم يتعلموا شيئًا من دروس 25 يناير. تلك الثورة كانت بحق ثورة لأطياف الشعب المصري على الظلم، وكانت أمامنا فرصة للتجمع تحت راية الوطن مرة أخرى، ولكن جميع الأطراف –عدا الإخوان- كانت مُصرِّة على استبعاد الآخرين حتى يحصدوا نتائج نجاح لم يحققوه بعد!، وكان هاجسهم من تكرر سيناريو ما بعد الثورة واضحًا، عندما عقد الإخوان تحالفات مع المجلس العسكري ليصلوا إلى الحكم، فكانت النتيجة أنهم فشلوا جميعًا.
ولكن الأوضاع السيئة، والتي تزداد سوءًا، في مصر، لا بد أنها ستؤجج قلوب المصريين يومًا قريبًا، والذين كره نسبة كبيرة منهم رئيسهم، وجاهروا بكراهيته، حتى لم تعد تفلح كلمات علماء السلاطين وسفهاء الإعلام في تخفيف غضبهم، وتصوير الأمر لهم أنهم سبب المعاناة التي يمرون بها!
من مأثورات علماء السلاطين مقولة كثيرًا ما رددوها عبر الأزمان لإقناع الشعوب أنها المسؤولة عما هي فيه من سوء. يقولون: كيفما تكونوا يُولّى عليكم، أي أن على الناس أن يصلحوا من أنفسهم إن أرادوا أن يجود عليهم الزمان بحاكم صالح.
وأبسط رد على هؤلاء الكذبة أن العرب كانوا قبل الإسلام أمة بائسة، متقاتلين متناحرين كما نعلم، لم يقيموا حضارة، ولم يعرفوا ثقافة، حتى بُعث فيهم رجل واحد، فغيّرهم جميعًا، ويوسف عليه السلام، تجاوز السنوات العجاف بحكمته وتدبيره، حتى فاض الخير من مصر على باقي الأراضي المجاورة.

إن صلح الرأس صلح الجسد، والسلم يُكنس من أعلاه وليس من أسفله، والشعب المصري شعب ذكي. المصريون بإمكانهم اكتساب المهارات على اختلافها، لكنهم غير منظمين، ينقصهم دائمًا القدرة على التخطيط وإدارة التنفيذ بحرفية، ولو جاءهم قائد صالح يستحق ثقتهم، ويوسِّد كل أمر إلى أهله، ويطيعونه، لرأى العالم كيف يكون العزم والقدرة على تجاوز الصعاب، ولكنه بلاء الله، ونأمل أن يرفعه عنا قريبًا برحمته.