الأحد، 11 يونيو 2017

83-هل عَمَرت الجزيرة أم تنوي التأبيد في الحكم؟!‏

هل عَمَرت الجزيرة أم تنوي التأبيد في الحكم؟!‏
د/منى زيتون
الأربعاء 12 يوليو 2017

الديمقراطية هي كلمة يونانية قديمة، تعني حكم الشعب، أو سلطة الشعب.
تُعرَّف الديمقراطية على أنها شكل من أشكال الحكم، يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة -إما مباشرة أو من خلال ممثلين منتخبين عنهم- في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين.
كما أن الديمقراطية تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع التي تُمكِّن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي والتعبير عن الرأي.
لكنها كأي نظام من صنع البشر لها وعليها. وأنا لا أكتب الآن في موضوع الديمقراطية لأفصِّل في شرح النظام الديمقراطي، ولكن فقط لعقد مقارنة بسيطة بين الحال تحت الحكم الديمقراطي وتحت الحكم الاستبدادي الشمولي في المقابل.

الديمقراطية.. هل هي حكم الحمقى؟
من حيث المصطلح النظري فالديمقراطية هي حكم الشعب، لكن من حيث التطبيق على أرض الواقع فالديمقراطية هي حكم الأكثرية، فالأكثرية تختار، وما تختاره يُلزِم الجميع، حتى وإن كان الخيار الأسوأ.
ونظرًا لأن أكثر البشر ضعيفو عقول، يسوقهم الإعلام كما يسوق الراعي الغنم، يقول برنارد شو: "الديمقراطية تعني أن مجموعة من الحمقى يتحكمون في مصيرك".
منذ شهور، دارت المناقشات حول أحقية المعترضين على الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب دونالد ترامب في التظاهر ضده. قلت وقتها أن حُجة من يعيب عليهم تتلخص في أن ترامب قد وصل إلى السلطة بطريق ديمقراطي، وليس بانقلاب عسكري، وأن على الأقلية -حتى لو لم تكن أقلية بالمعنى الدقيق للكلمة- أن ترضخ لرأي الأغلبية، بينما جُل البشر يعرفون أن هتلر أيضًا لم يثب على كرسي السلطة في ألمانيا، ونعلم حجم الخراب الذي تسبب فيه هذا المجنون للعالم.
إذًا، فالديمقراطية ليست آلية غير قابلة للنقد، ويمكن أن يراها كثيرون على أنها شكل معاصر من أشكال الاستبداد، ولكن في حين كان اقتناص السلطة قديمًا تعبير عن استبداد القوة والمال، فالوصول إلى السلطة عن طريق نتائج صناديق اقتراع يشارك فيها كل من هبّ ودبّ هو تعبير عن استبداد الكثرة والجهل.

تبعات تداول السلطة
قصة قصيرة قرأناها وسمعناها مرارًا ونحن صغار، عن أهل دولة، كانوا يُنصِّبون أي ملك عليهم لمدة عام واحد فقط، ثم ينفونه بعد نهاية العام إلى جزيرة غير مأهولة بالبشر، تسكنها الوحوش، وكان مصير جميع الملوك بعد نفيهم ينتهي بأن تفتك بهم الوحوش بعد وصولهم الجزيرة بأيام.
ثم إن ملكًا شابًا خُلِع عليه ونُصِّب للحكم، وكان على صغر سنه حكيمًا، فلم يشغله ما هو فيه من أُبهة المُلك، بل قضى عامه يُعد لحياته الباقية بعد خلعه ونفيه، فأنفق أموالًا طائلة في عمارة تلك الجزيرة حتى استحالت في نهاية العام إلى جنة، انتقل إليها بعد خلعه من المُلك غير خائف، ليتنعم باقي حياته.
كانت تلك القصة تُضرب لنا لتنبيهنا إلى أن العاقل لا يغتر بحياته الزائلة في الدنيا، بل ينهمك في العمل لأجل حياته الباقية في الآخرة، ولكن ربما تفلسف أجدادنا بعض الشيء عندما لم يروا في الجزيرة النائية سوى الآخرة، أما أنا فأرى الجزيرة من منظور آخر أبسط، فالجزيرة –دون فلسفة- قد تكون مثلما هي في القصة؛ وأعني حياة الحاكم بعد خروجه من الحكم.
هناك مقولة منتشرة حتى لم يُعد يُعرف صاحبها، بأننا لم نعتد في عالمنا العربي والإسلامي أن نسمع بتاتًا بالرئيس السابق.
لكن بعد ما أُسمي بالربيع العربي، صار لدينا رؤساء سابقون، صاروا أشبه حالًا بأولئك الملوك المنفيين على الجزيرة الذين تتصارعهم الوحوش، لأن أيًا منهم لم يحسب حساب ذلك اليوم، فطغوا وتكبروا وتجبروا وأساؤوا لشعوبهم وانتهكوا حقوقهم، لأنهم أمنوا بقاءهم في السلطة فتغوّلوا بسببها.
وعلى كل ما للديمقراطية من مساوئ، حتى إن شخصًا غير سوي مثل ترامب صار يحكم أكبر دولة في العالم، فإن أهم مزايا الديمقراطية أن أي رئيس وصل إلى الحكم عن طريقها يعلم تمامًا أنه لا بد مفارق هذا الكرسي؛ لذا فهو لا يسرف في التكبر والتجبر ولا يملك الإساءة لشعبه استغلالًا لسلطاته ونفوذه، لأنه يعلم أنه حتمًا عائد يومًا قريبًا إلى صفوف الشعب، وحتى هذا الترامب لا يخشى أصغر مراهق أمريكي منه على نفسه ما يخشاه أكابرنا من افتراءات رؤساء تافهين يحكمونا بالحديد والنار، ويتسافلون ويتسافهون بأفعالهم بينما يُرونا من ألسنتهم معسول الكلام.
يقولون أن الديمقراطية لا تصلح في مجتمع جاهل، وأنا أقول إنه حتى لو وصل حاكم أخرق إلى الحكم في ظل نظام ديمقراطي، فتداول السلطة كفيل بإزاحته، وكفيل ببقاء معارضة قوية لحكمه كونها تأمل في الوصول إلى السلطة بعده، كما أن خوفه من زوال السلطة، الذي لا بد واقع، سيجعله يرعوي ولا يسرف في ظلم البشر، ويقين الشعب بتداول السلطة لا شك مانع عبّاد البشر من رفعه إلى مصاف الآلهة لأن عهده زائل، وهذه كلها ميزات نفقدها عندما يشعر الحاكم بأنه مُؤبد في السلطة، فيتحول إلى فرعون، لا ينقصه إلّا طلب التأليه من شعبه.
ليس لها من دون الله كاشفة.