الأحد، 11 يونيو 2017

86-هل أتاك حديث عدل كسرى؟!


هل أتاك حديث عدل كسرى؟!
د/منى زيتون
الخميس 20 يوليو 2017
الثلاثاء 25 يوليو 2017
 

من الكلمات الشائعة على ألسنة المصريين أن أرضهم قد سُجن فيها أكرم خلق الله، الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم. وهي كلمة يريدون بها أن أرضًا هذه حالها لا شك أن الظلم مستشرٍ فيها، حتى يُقال أيضًا على سبيل المبالغة إن تسعة أعشار الظلم في مصر.
حالة مثيرة سيتوقف عندها التاريخ طويلًا عندما يُؤرخ لعهد السيسي؛ وأعني بها حالة الظلم المكشوف شديد الغباء إلى حد البلاهة، والتي وفقًا للمأثور الشعبي المصري يمكن أن نسميها حالة "قَلْع بُرقع الحياء"!
بعد شهرٍ واحد من إقرار التفريط في جزيرتيّ تيران وصنافير للسعودية، دخل النظام المصري في صراع مع أهالي جزيرة الورّاق، الواقعة في قلب نيل القاهرة، وفُوجيء الأهالي بدخول الدبابات إلى الجزيرة مطالبة إياهم بإخلائها كي يتمكنوا من هدم منازلهم! لأجل إنشاء مشروع عليها برعاية شركة إماراتية، وهو مشروع مؤجل كان من أحلام جمال مبارك.
كان عاطف عبيد، رئيس الوزراء المصري الأسبق، والذي كانت توليته رئاسة الحكومة بداية نكبتنا المعاصرة، قد أصدر قرارًا عام 2000 باعتبار جزيرتيّ الورّاق والدهب ملكية عامة للدولة!، وبينما تصل مساحة الجزيرة إلى حوالي 1600 فدان، فإن ملكية الأهالي فيها –تلك التي أرادت الحكومة نزعها- تزيد على 1430 فدان! ولم يسكت الأهالي وقتها، ورفعوا قضية على الحكومة، وحصلوا على حكم قضائي عام 2002، قضى بثبوت ملكيتهم لأراضيهم.
ولأننا نعيش في عهد نظام السيسي أزهى عصور سيادة القانون فقد تم بلّ أحكام القضاء في مياه النيل، واقتحمت الدبابات الجزيرة منذ أيام لأجل هدم البيوت ونزع ملكية الأراضي من هؤلاء الفقراء الذين لا يراهم النظام يستحقون العيش في جنة أرضية يحيطها نهر من أنهار الجنة. ربما كان زبانية النظام يريدون تعويض أنفسهم وأحبابهم ممن سيتملكون تلك الأراضي بديلًا للفقراء عن الجنة الأخروية التي لا يضمنون من صحيفة أعمالهم السيئة أن ينالوها.
وكالعادة فقد روّج النظام وأذنابه والمخبولون ممن يتبعونه باسم الوطنية بتبريرات واهية بأن هؤلاء الناس الذين يعمرون جزيرة الورّاق، قد استولوا على أراضي الدولة في السنوات الأخيرة، ولا حق لهم فيها. وعندما تم التضييق عليهم حاول بعضهم الادّعاء بأن الإخلاء سيكون للتعديات على أراضي الدولة وحسب، وليس على كامل أرض الجزيرة!

هل الجزر في النيل كانت غير مأهولة بالسكان على مر العصور؟!
ربما يظن من يكذب علينا أن المصريين القدماء كانوا بدوًا لم يركبوا البحر ولم يعرفوا السفن والمراكب، وأن المصريين المعاصرين أغبياء بما يكفي ليصدقوهم في أن أكبر جزر النيل كانت غير مأهولة حتى سنوات!
وللحقيقة، فقد كانت هناك مناطق غير مأهولة على شاطئ نيل القاهرة في عصور قديمة جدًا لأنه كانت تسكن الأسود في أحراشها، ولكن الأسود انقرضت من مصر منذ عهد الفاطميين، لكثرة قتل المصريين لها، وعمارتهم لشاطئ النيل؛ لأنه متنزههم، وكان الحاكم بأمر الله، وفقًا لما أورده المقريزي في "الخطط"، عندما يريد أن يُضيِّق على سكان القاهرة يمنعهم من الخروج للتنزه ليلًا على شاطئ النيل. وعمرو بن العاص عندما دخل مصر أقام الفسطاط على شاطئ النيل. ولا زال جامعه شاهدًا على الموقع.
اعتاد المصريون العبور من أحد شاطيئ النيل إلى الشاطئ الآخر على الدوام، ولكنهم كانوا يفضلون أن يعيشوا على الضفة الشرقية ويدفنوا موتاهم على الضفة الغربية. وعلى كثرة الجزر النيلية التي تقع في قلب النيل في مصر، فاصلة ضفتيه الشرقية والغربية، فإن مساحاتها تتفاوت. وكُتب التاريخ تثبت لنا أن الجزر الكبيرة منها، في القاهرة وغيرها، كانت بلا استثناء عامرة مأهولة من قديم.
جزيرة المعادي، تلك الجزيرة الكبيرة المواجهة لحي المعادي شهدت جزءًا من رحلة العائلة المقدسة؛ السيد المسيح والسيدة العذراء ويوسف النجار، عند دخولهم مصر؛ خوفًا من بطش الرومان، وعبورهم المعدِّية النيلية من منطقة بجوارها، ومن هنا جاءت التسمية "المعادي".
والزمالك جمع زملك. الزملك كلمة تركية تعني الأكواخ الخشبية أو العشش. تكونت جزيرة الزمالك بعد التحام ثلاث جزر في النيل مع الزمن وتراكم الطمي بينها. كانت الجزيرة قديمًا يعمرها الصيادون فقط، وعندما بنى محمد علي باشا عام 1830م قصرًا فيها، تبعه رجال الدولة وصاروا يبنون بيوتًا صغيرة فيها بقصد النزهة. وعُرفت بالزمالك منذ ذلك الوقت، واختلفوا حول سبب التسمية، هل سمّى رجال الدولة الجزيرة زمالك بسبب بنائهم بيوتًا خشبية بسيطة فيها للتنزه، أم بسبب أن الجزيرة كانت عامرة بالكثير من تلك البيوت الخشبية الخاصة بالصيادين؟ وزادت عمارة الجزيرة في عهد الخديو إسماعيل، ثم تطورت كثيرًا طوال القرن العشرين، وصارت سكنًا دائمًا لعلية القوم.
وجزيرة الروضة، وتُعرف في عصرنا باسم المنيل أو منيل الروضة، أيضًا كانت عامرة من قديم. كان عليها حصن قديم من أيام الرومان. وأول ذكر لها في التاريخ الإسلامي كان عندما أنشأ الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك مقياسًا للنيل فيها، وقد ذكرها المقريزي في "الخطط" وقال عنها إنها متنزه للمماليك ومسكن للناس.
وقريبًا كنت أبحث في موضوع المدارس الإسلامية، وكان مما استوقفني أن تقي ‏‏الدين عمر بن شاهنشاه، ابن أخي صلاح الدين يوسف الأيوبي، قد اشترى دارًا كانت تُعرف بمنازل العز، وجعلها مدرسة ‏للشافعية، وأوقف عليها ‏‏الروضة وغيرها. ومعنى إيقاف الروضة عليها أن الأموال التي تأتي من جزيرة الروضة كانت تُنفق على المدرسين وطلبة العلم بالمدرسة، وهذا دليل على أن أغلب أراضي الروضة كانت تُستخدم حتى العهد الأيوبي للزراعة.
وقد زادت عمارة جزيرة الروضة في القرن التاسع عشر عندما بنى الخديوات والأمراء القصور فيها، لكنها بقيت في العموم أرضًا زراعية من أجود الأراضي حتى أوقفت الأميرة فاطمة ابنة الخديو إسماعيل وقفها الخيري لبناء جامعة القاهرة على الضفة الغربية لنهر النيل، وافتتحت الجامعة لأول مرة بعد اكتمال بنائها عام 1908. ومعلوم كيف يؤثر إنشاء الجامعات في عمارة المناطق حولها، فما بالنا بجزيرة تفصل بين الضفتين الشرقية والغربية لنهر توجد جامعة في إحداهما؟
أما الورّاق، وهي موضع النزاع بين الأهالي والحكومة، فمن المأثور أن كثيرًا من الصحابة الذين دخلوا مصر، ومعهم كثير من ‏قبائل العرب، قد عمروا تلك الجزيرة والأراضي المقابلة لها على الضفة الغربية من النيل.
كانت جزيرة الورّاق من بين كل الجزر كبيرة المساحة في مجرى النيل أقلها حظًا في العمارة، رغم أنها أكبرها مساحة، فبقيت على طبيعتها الريفية رغم أن التمدن قد طال جزرًا أخرى، فلا هي حظيت يومًا بزيارة العائلة المقدسة كالجزيرة المواجهة للمعادي، ولا كانت همزة وصل مع جامعة كالروضة، ولا سكنها رجال الدولة كالزمالك؛ لذا لم يهتم أحد بربطها بطرفيّ النيل عن طريق جسور كالتي تربط جزيرتيّ الزمالك والروضة.
لكنها كانت مأهولة على كل حال. لم تكن خاوية، ولم يزهد البشر في السُكنى فيها. عاشت عليها أجيال وماتت. وهي أرضهم وأرض آبائهم يا حكام الجور. وجزيرة الورّاق هي جزء من التقسيم الإداري لحي الوراق، وهو أحد أحياء محافظة الجيزة.

من عمر أرضًا ميتة فهي له
جاء في صحيح البخاري، كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضًا مواتًا، وقال عمر: من أحيا أرضًا ميتةً فهي له. ويُروى عن عمرو بن عوف، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقال في غير حق مسلم: "وليس لعرق ظالم فيه حق". ويروى فيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأورد البخاري حديث 2335- عن عُروة عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعمر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحق". قال عروة: قضى به عمر رضي الله عنه في خلافته.
وجاء في التمهيد لابن عبد البر، ذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن هشام بن عروة قال: خاصم رجل إلى عمر بن عبد العزيز في أرض حازها، فقال عمر: من أحيا من ميت الأرض شيئًا فهو له، فقال له عروة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا شيئًا من ميت الأرض فهو له، وليس لعرق ظالم حق".
وفي التمهيد أيضًا عن عروة قال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الأرض أرض الله، والعباد عباد الله، ومن أحيا مواتًا فهو أحق به، جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذين جاءوا بالصلوات عنه. وبسند آخر عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العباد عباد الله، والبلاد بلاد الله، فمن أحيا من موات الأرض شيئًا فهو له، وليس لعرق ظالم حق".
والأحاديث في هذا المعنى وافرة. فالأرض إما عامر وإما موات، والعامر لأهله، والذي كان مواتًا فمن أحياه وجعله عامرًا هو أهله. والعامر لأهله لا يُملك إلا بإذنهم. والإحياء هو البناء عليها والزرع فيها والبئر يُحفر ونحو ذلك.
ولو دقّقنا لاكتشفنا أن هذه هي طريقة عمارة الأرض منذ خلق الله الخلق، إلّا إن كان مُطبِّلو النظام يتصورون أن آدم عليه السلام قد سجّل ملكية أراضي الدنيا لأولاده بعقود رسمية!
بالتالي، فتلك الأراضي التي أصلحها وأحياها جدود جدود أهالي جزيرة الورّاق، وإن لم يملك بعضهم أوراقًا ثبوتية تقضي بملكيتهم إياها، فهي ملكهم شرعًا، آلت إليهم بالميراث أبًا عن جد.

قانون وضع اليد (التقادم المُكسِب للملكية)
ذكرنا أن كثيرًا من أهالي جزيرة الورّاق قد حصلوا عام 2002م على أحكام قضائية تقضي بتملكهم للأراضي التي في حوزتهم، وبعضهم لم يحصل على تلك الأحكام حتى اليوم، ولكن وفقًا للقانون المصري هي أيضًا أرضهم، ومن حقهم المطالبة بعقود تثبت تملكهم إياها؛ فالحيازة المستمرة الهادئة وغير الخافية، مع الرعاية والاستغلال، لمدة خمسة عشر سنة هي سبب للملكية في القانون المصري، طالما ليست قائمة على اغتصاب حق.
لكن اللعب القانوني الذي تحتال به الدولة الآن لسلب المواطنين حقوقهم يقوم على أساس أن تلك الأراضي وإن لم تُغتصب من أشخاص إلا أنها قد اغتُصبت من الدولة!
وأتساءل أي دولة يعنون تلك التي اغتصب منها أهالي جزيرة الورّاق أراضيهم، التي تُقدر مساحتها بما يزيد على الألف وأربعمائة فدان؟ هل هي جمهورية مصر العربية التي أُعلِنت عام 1953، أم المملكة المصرية، أم ربما دولة الهكسوس؟!!
الواقع يقول أن هذه الأراضي مأهولة من قديم، ويسكنها حاليًا أكثر من 60 ألف مواطن مصري، وادّعاء أن هؤلاء البشر قد اكتشفوا فجأة تلك الجزيرة الشاسعة المساحة في وسط النيل فهجموا عليها هجوم الجراد واحتلوها مؤخرًا هو ادّعاء فاجر، والفُجر صار ملمح معتاد من هذا النظام على كل حال.

حكم الشرع في نزع الملكيات الخاصة
يقول حافظ إبراهيم في قصيدته الشهيرة "أعيدوا مجدنا دنيا ودينًا":
أتى عمر فأنسى عدل كسرى *** كذلك كان عهد الراشدينا
وكان العرب في الجاهلية يذكرون الأكاسرة بالعدل، فلمّا جاء الإسلام تضاءل عدلهم أمام عدل الشريعة الخاتمة، وإن كان العدل لم يدم فينا طويلًا، وسرعان ما تحول ولاتنا إلى أردأ الملوك.
وتشتهر بين المسلمين قصة لإمرأة قبطية استولى عمرو بن العاص على أرضٍ لها لأجل التوسع في بناء جامعه المعروف بالفسطاط، فسافرت المدينة، وشكته إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فكتب إلى عمرو يأمره بإيقاف البناء الذي بدأه في الأرض، وردّها إليها، وقال له: "نحن أحق بالعدل من كسرى"، لأن كسرى الفرس، عندما كان العُمَران يتّجران في بلاده قبل الإسلام، كان قد رد إليهما مالًا نهبه منهما أمراء فرس.
ومما يُحكى عن عدل كسرى أيضًا أنه لمّا أراد توسعة إيوانه أمر رجاله بشراء ما حوله من مساكن وأراضي الناس، وأجزل لهم الثمن، ولكن عجوزًا طاعنة في السن رفضت البيع، وكان بيتها وسط موضع التوسعة وليس متطرفًا، ولكن كسرى أمرهم بترك المنزل وعدم التعرض لها. وكانت المرأة فلّاحة تغدو مع بقرتها إلى أرضها في الصباح وتعود في الليل، وكان إذا حلّ موعد خروجها وإيابها رفع الخدم والعبيد البُسط وقام الجالسون في الطريق، حتى إذا مرّت عاد الديوان كما كان! فهلّا بلغنا معشار عدل كسرى؟!
ويُحكى أنه في عهد الخليفة المقتدر ظلم وزيره ابن الفرات عجوزًا وأخذ دارها وبستانها دون حق، فلمّا قالت له: اتقِ الله، تهكم عليها ونصحها بأن تدعو الله عليه في ثلث الليل الأخير، فقالت: والله لأفعل، فما مر شهر حتى نكبه الخليفة.
وخلاصة الأمر أنه لا يحق شرعًا لأي حاكم أن ينزع أموال الناس الخاصة من بين أيديهم إلا برضاهم، حتى وإن عوّضهم عنها. ولكن حُكّام السوء يتسلطون على العباد فيسرقون أموالهم.

جزر النوبة في الطريق للبيع
ما يتناقله أهالي النوبة مؤخرًا أنه وكما هجّرهم عبد الناصر بهدف إقامة السد العالي، فهناك جزر تم حصرها في الفترة الماضية، وهي جزر سوان نارتي، وسُهيل، وعواض، وهيسا، وأن هذه الجزر التي يسكنها النوبيون منذ عهد الفراعنة، قد اعتُبرت ملكًا للدولة، وسيتم تهجيرهم منها قسرًا بعد الانتهاء من أزمة جزيرة الورّاق!
فهل النوبيون أيضًا قد استولوا على تلك الجزر وتعدّوا عليها في السنوات الأخيرة يا ظلمة؟!

تأميم جديد
نحن أمام نظام فاشل، ينهج على خطى الحنجوري الفاشل الذي سبقه؛ وأعني عبد الناصر، وما يحدث هو تأميم من نوع جديد. حذّرتُ منه منذ بدأ التحفظ على أموال الناس دون وجه حق، مثل أموال أبو تريكة وغيره ممن يراهم النظام أعداءً له، رغم أن مخالفتهم الرأي وانتماءاتهم الحزبية المفترض ألّا تكون لها علاقة باستحلال أموالهم.
لكن عبد الناصر لم يكن على هذه الدرجة من البلاهة، ولم يكن يتشطر على الفقراء. على كلٍ، فالتاريخ يخبرنا أنه ما من حاكم فاشل لجأ إلى نهب الأموال الخاصة بفريق من الناس ليملأ خزائنه، التي ما تلبث أن تفرغ من جرّاء غبائه، ومن جرّاء سرقات جيش النصابين الذين يملأون جيوبهم من ورائه، فإنه ما يلبث أن يبرر لنفسه الاستيلاء على أموال فريق آخر. وكل ما سيجده هؤلاء النهّابين أمامهم سيسرقونه مع اختلاف التبريرات.
ولعل من أبسط مبادئ علم الاجتماع أن الطبقة الوسطى هي التي تحافظ على قيم وتقاليد المجتمع، وهي أيضًا التي تحافظ على توازنه، مانعة من وجود شرخ في جدار المجتمع نتيجة التباين بين أفراده. ولم تكن الطبقة المتوسطة أقل عددًا مما هي عليه الآن في مصر مقارنة بأي عهد آخر، ولم يكن البون شاسعًا بين الأغنياء والفقراء مثلما نراه منذ قامت الثورة.
والنظام باعتدائه على ملكية الأهالي يرسل رسالة واضحة أن مكانًا بهذا الجمال، والذي يشعر قاطنه أنه يحيا في الجنة لا حق للفقراء فيه، حتى لو كان ملك آبائهم وأجدادهم، وأنه سينزعه منهم لإعطائه من يستحقه، فسكان الكُمبوندات لا العشوائيات هم الأحق به.
أمامنا نظام يظلم الفقراء ويُقوض آمالهم في الحياة، ولا يرى لهم أدنى حق فيها. لا يراهم يستحقونها أصلًا، ولا ينقصه إلا إنشاء محارق للقضاء عليهم ليكون متوافقًا مع ذاته. نظام يكذب كذب الإبل لتبرير كل ما يصدر منه من قذارة. نظام حقير يريد أن يفرط ويبيع كل موارد مصر ليترك أجيالًا تلعن كل رجاله.
ونتساءل عن سبب تسارع وتيرة هذا الظلم دون انتظار، وهل هو تخوف من رجال الأعمال على استقرار النظام باعتباره آيلًا للسقوط، ورغبة في الاستفادة منه واستغلال الفرصة السانحة التي من الصعب أن يجود عليهم الدهر بمثلها؟ أم أن النظام بالفعل قد وصل إلى مرحلة قَلْع بُرقع الحياء؟! أم أن هناك من يُزين للنظام هذه الأفاعيل الحمقاء لإفقاده ما بقي له من شعبية، وتسهيل خلعه؟!