الجمعة، 29 سبتمبر 2017

106-ذكاءات محتملة!

ذكاءات محتملة!
د/منى زيتون


الذكاء الانفعالي Emotional Intelligence :
       يطلق عليه أيضًا البراعة في المشاعر Feelings Smart (Carlson-Pickering, 2002) .
       ولعل أول ظهور لمفهوم الذكاء الانفعالي في علم النفس المعرفي كان في تصور فؤاد أبي حطب (1973) للذكاء حين صنّف الذكاء إلى الذكاء المعرفي والذكاء الاجتماعي والذكاء الانفعالي (فؤاد أبو حطب، 1996، ص 167).
       لم يكن هذا الذكاء واحدًا من الذكاءات التي عرضها جاردنر في نظريته عن الذكاءات المتعددة، ولكنه تطور كتابع لنظرية جاردنر التي غيرت من الرؤية التقليدية للذكاء وأعادت فتح باب النقاش حوله بين الباحثين. يذكر ماير و سالوفي(Mayer & Salovey,1993,p.433)  أن الذكاء الانفعالي هو نمط من الذكاء الاجتماعي ويتضمن القدرة على ضبط انفعالات الفرد والآخرين، وكذلك القدرة على أن يميز بينها، وعلى أن يستخدم المعلومات لتوجيه تفكير وأفعال الفرد، كما يشيران إلى أن الذكاء الانفعالي يتكون من: تعرف الانفعالات- استخدام الانفعالات- فهم الانفعالات- إدارة الانفعالات.
       وعلى أساس مفهوم جاردنر للذكاءات المتعددة وخاصة الذكاءين الشخصي والتفاعلي بنى دانيال جوليمان (Daniel Goleman, 1995) مفهومه عن الذكاء الانفعالي في كتابه ذائع الصيت "الذكاء الانفعالي، لماذا يمكن أن يهم أكثر من معامل الذكاء؟". حيث يرى جوليمان أن معامل الذكاء العام المرتفعIQ   ليس منبئًا أساسيًا للنجاح في الحياة، بينما ذكر أن الذكاء الانفعالي أكثر أهمية إذ هو المهارات التي تساعد الأفراد أن يتوافقوا، كما ذكر أن هذا الذكاء الانفعالي يتكون من: إدراك الذات وتعرف المشاعر كما تحدث التعامل مع المشاعر والانفعالات وتقلبات المزاج دافعية الفرد لذاته التعاطف – معالجة العلاقات الإنسانية متضمنة ترويض المشاعر في الآخرين والتعامل مع الناس (المهارات الاجتماعية). وأرى أن جوليمان بذلك يناقض رؤية ماير وسالوفي حيث يجعل الذكاء الانفعالي مفهومًا أوسع من الذكاء الاجتماعي بإضافة بعد المهارات الاجتماعية إليه. ويتفق إبراهيم المغازي (د. ت) مع تلك الرؤية إذ يرى أن الذكاء الانفعالي أوسع من الذكاء الاجتماعي.
       يذكر جيلر (Geller as cited in Holmes, 2002) أن هذا الذكاء بالرغم من أنه يوصف على أنه غير معرفي إلا أنه يشكل الأساس للذكاءات الأخرى. وتوضح هولمز (Holmes, 2002) تأثير هذا الذكاء في عملية التعلم بأن المضمون الانفعالي سواء كان مقصودًا أو مفاجئًا سوف يكون له دائمًا تأثير كبير على انتباه التلاميذ واهتمامهم إما للتركيز أو التشتت. فقد تُشتت المشاعر غير المرئية جدول الأعمال الذي هو في عقلنا، ونحتاج أن نفسح للمشاعر المفاجئة عندما تظهر ويُعبر عنها في الفصل الدراسي.

علاقة الذكاءين الشخصيين لجاردنر بالذكاء الاجتماعي لريجيو والذكاء الانفعالي لجوليمان:
تذكر بروالدي (Brualdi, 1996) أنه بالرغم من أن الذكاءين الشخصيين منفصلان عن بعضهما البعض فإنهما غالبًا ما يُربطان معًا في أغلب الثقافات. وبمراجعة كتابات جاردنر الأولى عن نظرية الذكاءات المتعددة في كتابه "أشكال من العقل" عام 1983 نجد أن جاردنر نفسه كان يربط بين الذكاءين الشخصيين ويعني بهما وجود نوعين من الذكاء الشخصي؛ حيث يتصل أحدهما بنمو الجوانب الداخلية للشخص Intrapersonal أما الثاني فذو وجهة خارجية نحو الأشخاص الآخرين  Interpersonal. وأرى أن هذا الارتباط بينهما قد أسهم في وجود نوع من الخلط بينهما وبين كل من الذكاء الاجتماعي Intelligence Social والذكاء الانفعاليEmotional Intelligence .
الذكاء الاجتماعي Social Intelligence هو مفهوم اختلف حوله الباحثون، تعود جذوره إلى ثورنديك الذي عرّفه لأول مرة عام 1925، ووفقًا لقراءاتي، أعتقد أن أدق من عالج هذا الذكاء هو رونالد ريجيو Riggio والذي يساوي بين الذكاء الاجتماعي والكفاءة الاجتماعية والمهارات الاجتماعية الشاملة، أي أن الفرد لكي يكون ذكيًا اجتماعيًا فإنه يجب أن يمتلك مهارات "التعبير الانفعالي- الحساسية الانفعالية- الضبط الانفعالي- التعبير الاجتماعي- الحساسية الاجتماعية- الضبط الاجتماعي" في توازن، وبفحص هذه المهارات الست نجد أن ريجيو يوسع مفهوم الذكاء الاجتماعي ليشمل ضمنه المهارات الثلاث التي تمثل الجانب الانفعالي من السلوك "التعبير الانفعالي- الحساسية الانفعالية- الضبط الانفعالي"، والتي يمكن إجمالها تحت مسمى الذكاء الانفعالي؛ ليكون الذكاء الانفعالي بذلك جزءًا من الذكاء الاجتماعي، وهو نفس ما ذكره كل من ماير وسالوفي (Mayer & Salovey,1993,p.433)  من أن الذكاء الانفعالي هو نمط من الذكاء الاجتماعي.
أما بخصوص علاقة الذكاء الانفعالي بالذكاءين الشخصيين لجاردنر فهناك من الباحثين من يساوي بين الذكاء الانفعالي والذكاءين الشخصيين مثل فوت (Foote, 2001)، والذي يرى أن الذكاء الانفعالي يتكون من الذكاء الشخصي Intrapersonal والذكاء التفاعلي Interpersonal، كذلك قدم جوليمان (Goleman, 1999) نموذجًا للذكاء الانفعالي يتضمن الكفاءتين الشخصية والاجتماعية، ويدعم جوليمان (Goleman,2002, p.9) تلك الرؤية بقوله أننا نحتاج وقتًا للتأمل وحدنا ومع الآخرين لتطوير الذكاء الانفعالي، بينما ترى فوقية محمد راضي (2001، ص 174) أن الذكاء الانفعالي كما عرّفه جوليمان هو اسم آخر للذكاء الشخصي كما لاحظه جاردنر. لكن لجاردنر نفسه (Gardner, 1995, 1999) رؤية ثالثة مختلفة إذ يؤكد أن الذكاء الانفعالي هو جزء من كل من الذكاءين الشخصيين: inter and intra-personal ، وتتفق الباحثة مع رؤية جاردنر إذ يتضح صحتها إذا أخذنا في الاعتبار أن الذكاء الانفعالي يشمل قدرتنا على أن نشعر بعواطف وانفعالات الآخرين ونرى منظورهم ويمكننا أن تكون علاقاتنا فعالة معهم، وهو ما يعد جزءًا من الذكاء التفاعلي  Interpersonal Intelligence، كما أنه يشمل فهم وإدارة انفعالاتنا والتعامل معها بنجاح، وهو ما يعد جزءًا من الذكاء الشخصي Intrapersonal Intelligence. وترى الباحثة أن رؤية جاردنر للعلاقة بين ذكاءيه والذكاء الانفعالي تعد أكثر وضوحًا وصحة وذلك في ضوء تعريفات تلك الذكاءات.
وبالعودة للمقارنة بين الذكاء الاجتماعي والذكاءين الشخصيين لجاردنر نجد أن مهارة الضبط الانفعالي تعبر عن أحد جوانب الذكاء الشخصي Intrapersonal حيث هي مهارة الفرد في ضبط انفعالاته والتحكم فيها، بينما مهارتا الحساسية "الحساسية الانفعالية- الحساسية الاجتماعية" ومهارة التعبير الاجتماعي ومهارة الضبط الاجتماعي تعبر عن جوانب الذكاء التفاعلي "ذكاء التفاعل مع الناس" Interpersonal  حيث تعني تلك المهارات القدرة على تفسير الحالة الانفعالية للآخرين وماذا يقصدون من تصرفاتهم وكلامهم والاندماج الاجتماعي معهم إضافة لضبط السلوك والمحتوى في أي موقف اجتماعي بحيث تكون تصرفات الفرد لائقة اجتماعيًا. وبالتالي أرى أن الذكاء الاجتماعي يشمل الذكاء التفاعلي Interpersonal  إضافة إلى بعض مكونات الذكاء الشخصي Intrapersonal -حيث أن مفهوم الذكاء الشخصي عند جاردنر هو مفهوم متسع وغير مسبوق وبالتالي فإنه من الصعوبة بمكان إدراجه كلية ضمن أي من الذكاءين الاجتماعي أو الانفعالي- وتلك الرؤية لا تتعارض مع كون الذكاء الانفعالي يشمل أجزاء من كلا الذكاءين الشخصيين، كما لا تتعارض مع كون الذكاء الانفعالي جزءًا من الذكاء الاجتماعي.

الذكاء الوجودي (ما وراء الطبيعة)  Existential (Metaphysical) Intelligence
يطلق عليه أيضًا براعة التعجب Wondering Smart (Carlson-Pickering,2002)  كما يسميه جاردنر (Gardner, 2003) ذكاء الأسئلة الكبيرة.
أعرِّف هذا الذكاء –استنادًا لما ذكره العديد من الباحثين(Carlson-Pickering, 1999; Gardner, 1999 as cited in Carlson- Pickering, 2001; Gardner, 1999 as cited in Holmes, 2002; Lynn Gilman, 2001; Taping into Multiple Intelligences, n. d.) - على أنه الميل للتحير والتأمل في الأسئلة العميقة المحيرة عن الوجود البشري –الحياة والموت والحقائق المطلقة- مثل معنى الحياة ولماذا نموت وكيف جئنا وإلى أين نذهب.
يضع جاردنر هذا الذكاء في الاعتبار كمرشح ليكون ذكاءً تاسعًا في قائمته للذكاءات، حيث قيّمه في سياق محكاته الثمانية، إلا أنه لا زال أقل تأكدًا بخصوص إدراجه ضمن قائمة ذكاءاته (Lynn Gilman, 2001).
ويحدد جاردنر (Gardner, 1999 as cited in Holmes, 2002) السبب في عدم الاعتراف بالذكاء الوجودي كقدرة منفصلة حتى الآن في أنه بالرغم من أنه قد وجد الدليل النظري على وجود هذا الذكاء فإنه حتى الآن لم يجد الدليل العملي، لذا فهو لا زال مستمرًا في النظر إليه وأخذه في الاعتبار. وتحديدًا يذكر جاردنر (Gardner, 1997 in Chekley, 1997) أن عدم وجود شواهد عقلية جيدة بعد على وجود هذا الذكاء في الجهاز العصبي هو الذي يدفعه –حتى الآن- إلى عدم ضمه لقائمة الذكاءات لأن هذا يعني ببساطة أن أحد المحكات لا تنطبق عليه. ولا زال جاردنر (Gardner, 1998; 2003) يعتبره –على حد تعبيره- نصف ذكاء.
توضح هولمز (Holmes, 2002) الفئات التي يكون لديها هذا الذكاء قويًا وهم: الكهنة والفلاسفة والزعماء الدينيون والعلماء والأطفال البالغون من العمر خمس سنوات. كما يذكر ماكينزي (Mckenzie, 1999b) أن هذا الذكاء يرى بوضوح في علم الفلسفة.

ذكاءات أخرى محتملة:
       تقترح هولمز (Holmes, 2002) ذكاءً آخر ليضاف إلى قائمة الذكاءات وهو الذكاء الهزلي (الفكاهي) Humorous Intelligence وهو قدرة الشخص على السخرية من العالم ومن نفسه. إنها ترى هذا الذكاء واضحًا قويًا لدى المتلاعبين بالألفاظ والهجائيين ورساميّ الكاريكاتير والمهرجين. وبالرغم من أن هولمز ليس لديها أدلة كافية على وجود هذا الذكاء فإنها تقترحه فقط لأنها ترى بعض الناس يمتلكونه بينما آخرون ضعفاء في هذا النطاق، كما ترى أنه من الممكن أن يتطور.
       كما يذكر جاردنر (Gardner, 2003) أن هناك بعض الذكاءات المطروحة أمامه للتفكير في ضمها لقائمة الذكاءات المتعددة إذا انطبقت المحكات عليها –سواء كان التفكير فيها نابعًا من فكره أو باقتراح من آخرين يرون انطباق المحكات عليها- ويضرب أمثلة بتلك الذكاءات الذكاء الروحي Spiritual والذكاء الجنسي Sexual Intelligence والذكاء الرقمي Digital Intelligence والانتباه Attention. بينما يذكر هاو (Howe, 1997, p. 130) أنه يمكن أن تكون لدينا قائمة مقنعة تتكون من 20 إلى 30 ذكاءً منفصلًا تنطبق عليها المحكات بشكل جيد.

       كما أن فكرة إعادة النظر في الذكاء وتعدديته التي أوجدتها نظرية جاردنر قد دفعت ببعض الباحثين لاقتراح ذكاءات أخرى منفصلة ليست ذات طبيعة معرفية كذكاءات جاردنر، وبالتالي فإن اقتراحها لم يكن بهدف ضمها إلى قائمة ذكاءات جاردنر. ولعل من أشهر الأمثلة على ذلك الذكاء الانفعالي –الذي سبق الحديث عنه- والذكاء الأخلاقي Moral Intelligence والذي اقترحه روبرت كولز Robert Coles . وأرى أن العلماء بحاجة لبذل المزيد من الجهد في دراسة الذكاءات المقترحة في ضوء المحكات التي وضعها جاردنر وذلك من أجل تحديد أفضل للذكاءات الإنسانية.