الجمعة، 29 سبتمبر 2017

113-إن الإنسان لربه لكنود!

إن الإنسان لربه لكنود!

د/ منى زيتون

مُستل من كتابي "الإلحاد والتطور.. أدلة كثيرة زائفة"




الآية الكريمة من سورة العاديات المُعنونة للمقال أتت جوابًا للقسم بعد سياق قرآني من مدح الحق سبحانه وتعالى للعاديات.

يقول عز وجل: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ  (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)﴾.

وقد اختلفوا في العاديات وهل هي الإبل أم الخيل، وإن كنت أرى الوصف في الآيات لا يكون إلا للخيل، فالإبل لا تضبح، والضبح صوت يخرج عند العَدْو، وما يضبح من الدواب إلا الخيل والكلاب. كما أن الإبل لا تقدح بحوافرها الحجارة عند العَدْو، بينما الخيل تفعل، وقد يتطاير من ذلك شرر النيران، وهذا المعنى الأقرب لـ ‏‏﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾ أي أورت نارًا من قدح حدوات حوافرها الحجارة حتى تثير الغُبار في الجو، فيكاد أن يكون الجواد وراكبه كمن نُقع في التراب ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾.‏

وعليه؛ فالعاديات هي الخيل، وهي الحيوان الوحيد الذي أقسم به تعالى في كتابه العزيز، حتى أنه لم ‏يقسم بالإنسان، وتعدى ذلك بأنه بعد أن أقسم بها سبحانه، قارن الإنسان بالخيل، فأخبره تعالى أنه كنود، أي كفور ‏جحود، ينسى نِعم ربه، وينبغي له أن ينظر إلى تقدير وطاعة الخيل لسيدها ليتعلم! فالخيل تطيع سيدها ولا تتكاسل في أداء حقه عليها مهما بلغ بها التعب؛ ذلك أن الضبح علامة على الإنهاك من الجري، وهي فوق ذلك ولا شك تشعر بالحرارة في قوائمها من النار الضعيفة المتولدة من احتكاك حدوة حوافرها وصكها بالحجارة، ورغمًا عن ذلك فهي لا تتوقف عن العدو لخدمة صاحبها، والعرب كانت ولا زالت ‏تُسمي ذكر الخيل الجواد؛ من جوده وعدم تأخره عن بذل أقصى ما يقدر من جهد تلبية لحاجة سيده، وسُمي أيضًا الحصان لأنه حصن لمن ركبه لا يخذله أبدًا.

وأنهى الحق سبحانه السورة القصيرة بتذكير الناس بما ينتظرهم يوم البعث من حساب وجزاء على ‏أعمالهم، فهو الخبير الذي لا يخفى عليه شيء من تلك الأعمال.‏

معضلة وجود الشر

يكثر الملاحدة من إطلاق تساؤلاتهم عن سبب وجود الشرور في العالم طالما يوجد إله رحيم قادر؛ فهل هي موجودة برغبته ومن ثم هو غير رحيم، أم بغير رغبته وهو عاجز عن إزاحتها كونه غير قادر؟! وإله مثله –إن صح أن يوجد بهذه الصفات على زعمهم- لا يستحق أن يُعبد.

والإشكالية ولا شك قديمة، وقد رد عليهم كثير من الفلاسفة والمفكرين عبر العصور. كما كان لعلماء العقيدة المسيحيين والمسلمين ردودهم ومناقشاتهم حول المسألة، وهناك فرع من اللاهوت المسيحي يُعرف بالثيوديسيا Theodicy معني تحديدًا بنقاش أسباب وجود الشر.

ولسيدنا الإمام علي بن أبي طالب مقولة عظيمة وهي "العدل ألّا تتهمه"، يعني بها أن كل ما فعله الله وقدَّره هو من ‏العدل؛ فليس الله بظلام للعبيد، ولكن الإنسان قد لا يدرك الحكمة من وراء كثير مما ‏يحدث في الكون. وهو تعالى مالك الكون يتصرف فيه بما يشاء، ولا يُتصور منه ظلمًا.

ومشكلة الشر التي يعنيها الملاحدة لا تقتصر على أفعال الله تعالى بل تتعداها إلى أفعال العباد، فكما يتساءلون عن لماذا تحدث الزلازل والبراكين والأعاصير فتقتل وتدمر، ولماذا يمرض الأبرياء؟ هم يتساءلون عن سبب اقتراف البشر الشرور في حق بعضهم البعض وفي حق باقي المخلوقات؟ وأحيانًا قد يتوسع الملحد أكثر فيرى في سلوك الحيوانات المفترسة الغذائي شرًا يحيق أثره بغيره من الأنواع!

أفعال الله

لا يكف الملحد عن التساؤل عن أسباب حدوث الزلازل والبراكين والأعاصير وغيرها من الكوارث الطبيعية، متناسيًا أنها جزء من المنظومة الكونية بقوانينها المطردة، التي يشهد العلماء أنها مخلوقة على نحو أمثل، وأن توقف حدوث هذه الظواهر فيه إخلال بعمل تلك المنظومة المتكاملة؛ فلو قُدِّر لبركان أن يمتنع عن الانفجار فهذا يعني بقاء الضغط والطاقة الكامنة داخل الكرة الأرضية معرضًا إياها لانفجار أكبر.

والمرض والموت لا يرى فيهما الملحد إلا أنهما مناقضان للعافية والحياة، ويفشل تمامًا أن يرى حقيقة أن التغير والتبدل ضرورتان في هذا العالم، وماذا كان يمكن أن يحدث لو بقي كل البشر والحيوانات والنباتات منذ خلق الله الأرض، بل وكل النجوم والكواكب منذ خُلق الكون، ولم يتجدد شيء، وصارت تتزايد فقط بلا تناقص، أو بقيت ثابتة دون تزايد أو نقصان؟ فهل هذه هي الرؤية المثالية للعالم الذي يراه الملحد؟! ثم أليس في هذا التصور تعطيلًا لقوانين الكون التي يزعم الملحد أنها سبب وجوده وليس الله؟!

إن من أجمل ما قرأت وصف عجوز للدنيا تقول فيه: "سُنيهات رخاء وسُنيهات شقاء، ويوم شبيه بيوم وليلة شبيهة بليلة. يهلك والد ويخلف مولود، فلولا الهالك لامتلأت الدنيا ولولا المولود لم يبق أحد".

والملحد في نظرته تلك شديد الأنانية، فهو في حقيقة الأمر لا يعنيه وفاة من لا يهمه من البشر، بل لو خُيِّر لاختار تجدد الأحياء كما هو الواقع في عالمنا، لكنه فقط أضعف من أن يتحمل فقد أحبته.

أفعال العباد

أفعال العباد تحديدًا كان لها النصيب الأكبر من البحث العقدي لدى المسلمين، المرتبط بمعضلة الشر؛ فأهل السُنة الأشاعرة على أن أفعال العباد يخلقها الله، ومع ذلك فهي كسب العباد. وقد ورد لفظ الكسب في القرآن في 34 موضعًا، منها ‏﴿‏وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].

فالأشاعرة ينزهون الله سبحانه أن يجري في ملكه إلا ما يشاء حتى لو كان شرًا، حيث يعتقد  أهل السُنة الأشاعرة أن الله وحده الفاعل على الحقيقة، وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون تكون مخلوقة من قِبل الله، وهي مع ذلك كسبهم، لكن المعاصي تكون بعلمه وقضائه ومشيئته تعالى لا بأمره؛ فيكون الفعل خلقًا لله، كسبًا للعبد، حادثًا تحت قدرة الله وبعلمه.

ومعنى الكسب عند الأشعري: أن يكون الفعل بقدرة مُحدثة؛ فمن وقع منه الفعل بقدرة قديمة، فهو فاعل خالق (الله)، ومن وقع منه بقدرة محدثة، فهو مكتسب (العبد).

ويرتبط بالاعتقاد في أن العباد يخلقون أفعالهم الاعتقاد في القدر. وكما رفض الأشاعرة عقيدة خلق العباد أفعالهم، فقد رفضوا مذهب القدرية "نُفاة القدر".

يقول الإمام الشافعي:

ما شئتَ كان وإن لم أشأ **** وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن

خلقت البلاد على ما علمت **** ففي العلم يجري الفتى والمسن

على ذا مننت وهذا خذلت **** وهذا أعنت وذا لم تُعن

فهذا سعيد وهذا شقي **** وهذا قبيح وهذا حسن

كذلك رفض الأشاعرة مذهب الجبرية المنكرين للقدرة الحادثة من العباد، فهم يعتقدون أن العبد له كسب، ومن ثم ليس مجبورًا، بل مكتسبًا لأفعاله من طاعة ومعصية، فيتوسطون بين الجبرية والقدرية. يقول السبكي في "طبقات الشافعية" (ج3، ص ص385-386):

وكذاك كسب الأشعرى وإنه **** صعب ولكن قام بالبرهان

من لم يقل بالكسب مال إلى اعتزال **** أو مقال الجبر ذي الطغيان

يضيف السُبكي: "كسب الأشعرى كما هو مقرر فى مكانه أمر يضطر إليه من ينكر خلق الأفعال وكون العبد مجبرًا، والأول اعتزال والثانى جبر. فكل أحد يثبت واسطة، لكن يعسر التعبير عنها، ويمثلونها بالفرق بين حركة المرتعش والمختار، وقد اضطرب المحققون فى تحرير هذه الواسطة، والحنفية سموها الاختيار. والذى تحرر لنا أن الاختيار والكسب عبارتان عن مُعيَّن واحد، ولكن الأشعرى آثر لفظ الكسب على لفظ الاختيار؛ لكونه منطوق القرآن، والقوم آثروا لفظ الاختيار لما فيه من إشعار قدرة للعبد. وللقاضى أبى بكر مذهب يزيد على مذهب الأشعرى فلعله رأي القوم. ولإمام الحرمين والغزالي مذهب يزيد على المذهبين جميعًا، ويدنو كل الدنو من الاعتزال، وليس هو هو"أهـ.

أما اعتقاد السلفية فيما يخص القضاء والقدر وأفعال العباد، فأن للقدر أربع مراتب، وهي: العلم والكتابة والمشيئة والخلق، وهذه المراتب الأربع كلها لله سبحانه وتعالى، فالله يعلم القدر، وقد كتبه، وكل شيء يجري بمشيئته سبحانه، لكن مشيئة الله تعالى لا تنفي وجود مشيئة للعباد داخلة تحت مشيئة الله. ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30]، واختيار العبد هو بمشيئة الله تعالى وعلمه وقدرته، فلا يخرج شيء من فعله واختياره عن قدرة الله ومشيئته. أما معنى مرتبة الخلق أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء في الكون، ومن ذلك أفعال العباد، فالقدر خيره وشره من الله تعالى، ولكن الإنسان مخيّر والعبد يختار أفعاله، والله يشاؤها ويخلقها كي تُوجد. وهو قول يكاد يطابق قول الأشاعرة في الكسب، ولكن السلفية لم يتفق لهم أن فهموا مراد الأشاعرة بالكسب؛ لذا يرون وجود خلاف، كونهم يعتقدون أن الأشاعرة ينفون قدرة العبد ولا يجعلون لاختياره تأثيرًا، وهو ما لم يقله الأشاعرة.

والعدل هو الأصل الثاني عند المعتزلة، والعدل الإلهي عندهم يرتبط بحرية الإنسان ومسئوليته في خلق أفعاله، لأن من العدل أن يكون الإنسان حرًا ليحاسبه الله، وهذا صحيح، ولكن للمعتزلة ظنًا متوهمًا عن وجود خلاف بينهم وبين أهل السُنة في الاعتقاد في وجود حرية للعبد في الاختيار، ولظنهم أن اعتقاد السُنة في خلق الله لأفعال عباده يتنافى مع مسئولية العباد عن تلك الأفعال، وقعوا في نفي أن يكون الله خالقًا لأفعال العباد؛ لأن فيها الشر، ‏والله لا يفعل الشر، ولا يأذن به بزعمهم. من ثم يكون اعتقاد المعتزلة الذين ينزهون الله تعالى عن نسبة الشر إليه، أن أفعال العباد هم يخلقونها لأن فيها الشر؛ إبراءً منهم لله أن يكون مسئولًا عن شرورهم.

ولعل قولهم بأن كل أفعال العباد الخير والشر من خلقهم، كان هربًا من الوقوع في التصنيف الثنوي المجوسي الذي كان قد دخل إلى معتقد بعض المسلمين من بلاد فارس، والقائل بأن الخير من الله والشر من الإنسان. كما يتضح أن اعتقادهم أن العباد يخلقون أفعالهم يرتبط باعتقادهم في القدر.

لكن المسلمين -على اختلاف عقائدهم- لم يجعلوا وجود الشر وحدوث الكوارث في العالم دليلًا على عدم وجود الله كما استدل الملاحدة!

الملحدون كالطلبة المشاكسين!

هؤلاء ضاع منهم الهدف واختلت بوصلاتهم حتى لم يعودوا يميزون أنهم على الأرض؛ فكل أسئلتهم الغبية تنطلق من عدم فهم فلسفة الحياة.‏

يتناسون أنهم في دار بلاء وفتنة. يتناسون أن الهدف الرئيس من وجودهم في الحياة الدنيا هو اختبارهم اختبارات متتالية كي يثبتوا جدارتهم بالجنان. ‏﴿‏وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏﴾‏ [فصلت: 35].

لا يدركون أن الحياة الدنيا مجرد وسيلة انتقال. يتعاملون مع الدنيا كما لو كانت هي حياتهم الوحيدة التي لا حياة غيرها. يتعجلون تلك الجنان فيطلبونها على الأرض؛ إذ يتصورون أن الاستمتاع الدائم في حياتهم على الأرض دون منغصات هي حقهم!

يصبحون وحالهم كذلك كطلبة الجامعة الفاشلين الذين يتركون محاضراتهم، ويتغيبون عن امتحاناتهم، ويقضون أوقاتهم في الرحلات والتنزه والتردد على الكافتريا، حتى يضيقون بسبب وجودهم الأساسي في الجامعة؛ وهو تلقي العلم وإثبات جدارتهم واستحقاقهم. فكما لو أنهم موجودون بالأساس في الجامعة ليفرحوا ويمرحوا! فلماذا يزعجونهم بالمحاضرات والامتحانات؟!

يتناسون أنه كما أن الاختبارات الجامعية تطورك حتى تكون جديرًا بالمكانة التي تأمل أن تحصل عليها حال تخرجك بنجاح من الجامعة، فالمحن التي تلاقيها في الحياة الدنيا تفعل بك مثيل ذلك ليتقرر على أساس بلائك فيها إن كنت تستحق الخلود في الجنان. ولكن هناك من يُصر على محاكمة أفعال الله تعالى وفقًا لمعاييرهم الإنسانية، وتصوير مصاعب الحياة على أنها تعكير لصفو حياتهم ما كان ينبغي أن يُسمح به!

يقولون: لماذا يوجد شر؟! لماذا يسمح الله بوجود الشر؟!

هل يمكن أن يسأل هذا السؤال من يفهم أنه موجود في الحياة الدنيا ليعرف الله ويُختبر إيمانه ثم ‏يُحاسب؟ وكأن أستاذ المادة لا يعرف الإجابة الصحيحة عندما يترك تلميذه يكتب الخاطئة في ورقة إجابته!

الفساد أحد أسباب انتشار الإلحاد

لعل انتشار الفساد في مجتمعاتنا المعاصرة من أهم الأسباب التي أدت لانتشار الإلحاد كأحد جرائره.

ذكرنا أنه من المفترض أننا نُختبر في الحياة وكل منا يُجازى بما يستحق بناءً على جهده فيها، وضعاف الإيمان غالبًا ما يجعلون مدى تحقق العدالة في الدنيا دلالة على حقيقة الحساب والجزاء في الآخرة، ومن ثم فإن انتشار الفساد على الأرض يشكك بعض الناس في الإيمان بالله. وربما لو كان الناس يرون أن كل شخص ينال حقًا ما يستحق لقلت نسبة الملحدين ولآمنوا جميعًا أن ما يتحملونه من عناء في الدنيا سيكون له مردوده في الآخرة.

ولكننا لا نسمع سوى عن محاربة الفساد؛ فحكامنا فاسدون، واليد غير النظيفة لا تستطيع محاربة الفساد. ولا بد أن تكون نظيف اليد وصادقًا أولًا قبل أن تشرع في محاربته، لكن الأمر لا يعدو الادّعاءات.

الدلال (الدلع)!‏ من أهم أسباب الإلحاد

قد يُصدم من يقرأ هذا الكلام. فهل للدلال الزائد علاقة بالإلحاد؟!

أقول: الكفر لغةً هو الجحود. أوله جحود النِعم، والتي يتبعها جحود الله، وتركيز الإنسان على ما ينقصه وتغافله عما عنده يجعل فقره بين عينيه. وكل منا عنده الكثير، ولكن هناك من يظن أنه يجب أن يحالفه النجاح في كل مساعيه؛ فمن يحوز ذلك؟!

ليس على كل حي إلا أن يسعى طلبًا لحاجاته حتى لو كانت أغلب جهوده مهدرة. ولعل كثيرين لا يدركون أننا نُحاسب ونُجزى في الآخرة على مساعينا في الدنيا وليس فقط على ما حُزناه فعليًا من وراء هذه المساعي. ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)﴾ [النجم: 39-40-41].

والمدقق يرى أن الملاحدة شخصيات ضعيفة تتأوه لأي مصيبة، ليس لديهم جَلَد ولا صبر على النوائب، كلما تمنوا أمنية أو نزلت بهم نازلة ودعوا فلم يُستجب لهم تشككوا!

ربما يظنون الله تعالى سيعاملهم مثلما كانت تدللهم أمهاتهم؛ يهرعون إليهن عندما يتذمرون من شيء أو نقص شيء مستجيبات لطلباتهم!

لم أجد ما حييت شخصًا قوي النفس ضعيف الإيمان؛ لذا فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وإيمانه بالله قوى لا يتزعزع. وربما كانت هذه نظرة جديدة للمعنى الذي ينطوي عليه هذا الحديث، ولهذا أيضًا كان الصبر رأس الإيمان.