الخميس، 27 ديسمبر 2018

167-وقفة مع شهادة مبارك حول حوادث يناير2011


وقفة مع شهادة مبارك حول حوادث يناير 2011
د/منى زيتون
الخميس 27ديسمبر2018


منذ الأمس، السادس والعشرين من ديسمبر2018، تطالعني منشورات كثيرة على موقع الفيسبوك، تحمل رؤى متعارضة، حول شهادة مبارك، في قضية قتل المتظاهرين، في ميدان التحرير، خلال حوادث ثورة يناير 2011.
شهد مبارك بما يعرف، وأعتقد أن معلوماته ناقصة، وقد أقر بنفسه أنه ليس على علم بجميع التفاصيل الخاصة بالحوادث الهامة أثناء الثورة، لكنه مع ذلك أدلى بشهادة واضحة تؤكد توفر معلومات لديه حول تسلل عناصر غير مصرية عبر الأنفاق لدعم تنظيم الإخوان أثناء الثورة، واتهمهم بوضوح بأنهم من كانوا وراء إطلاق النار على المتظاهرين في ميدان التحرير، وإطلاق سراح المساجين من السجون.
ولأننا شعوب مولعة بالاستقطاب، بالاصطفاف إما إلى أقصى اليمين وإما إلى أقصى اليسار، فقد كانت المنشورات التي طالعتها جميعها إما تصديقًا أعمى على شهادة مبارك، أو تكذيبًا أعمى لها، ولا مكان لنقاش منطقي مثلما يُفترض أن يقوم به البشر المتمدنون!

قنص المتظاهرين
فيما يخص موضوع القناصة الذين قتلوا المتظاهرين، من أعلى العمارات والفنادق، في ميدان التحرير، أثناء الثورة، فعن نفسي لا أصدق أن مبارك أمر بقتل المتظاهرين في الميدان عن طريق قنّاصة، بل كانت إحدى السبل التي استُخدمت –مثلها في ذلك مثل الجمل- لتسخين المظاهرات العفوية التي خرج فيها الشباب محاكاة لشباب تونس، ولضمان استمرار رفع الشباب لسقف مطالبهم، حتى المطالبة بعزل مبارك؛ أي أنها كانت طريقة لتوجيه الثورة في الاتجاه الذي أرادوه لها.
في بيان من قفص الاتهام، قال مرسي في إحدى محاكماته، في يناير 2015: "تقرير لجنة تقصي الحقائق اللي أنا شكلتها جاء فيه شهادة من رؤساء الفنادق، ومنها (أن) من دخل إليها واعتلوا الغرف وأطلقوا النار من تلك الغرف، كانوا بيتبعوا جهة سيادية كانت برئاسة قائد الانقلاب".
ومرسي يعني بذلك السيسي، الذي كان رئيسًا للمخابرات الحربية وقتها. ووفقًا لشهادة شباب الثورة، فالفندق المقصود، الذي تم منه الضرب، هو هيلتون رمسيس.

لكن، ألا يُحتمل أن تكون تلك العناصر غير المصرية التي سمعنا كثيرًا عن دخولها مصر عبر الأنفاق هي من قامت بالقنص كما ذكر مبارك، وأن مرسي كاذب في اتهامه للسيسي؟!
المنطق يقول إن إدارة فندق كبير لا يمكن أن تخضع إلا لجهة سيادية في الدولة. لكن السؤال الهام: أي جهة تلك؟ وهل هي المخابرات الحربية كما ذكر مرسي؟ أم أنها وزارة الداخلية؟
معلوم أن ضباط الشرطة انسحبوا بأوامر من العادلي يوم 28 يناير، وتوجد مؤشرات حقيقية تدين بعض قياداتهم في ملف اقتحام السجون، ولكن هل انسحبوا ظاهريًا من ميدان التحرير ليتدخلوا بعد ذلك خفية، ويقوموا بقنص المتظاهرين؟ أم أن اتهام مرسي للسيسي صحيح، والمخابرات الحربية هي الجهة المتهمة؟!

هذه شهادة طبيب شارك مع لجنة تقصي الحقائق حول طبيعة الإصابات التي حدثت للمتظاهرين في التحرير، وأُتيحت له الفرصة للإطلاع على التقرير الذي تم إخفاؤه فيما بعد.
أهم ما جاء في شهادته:
*"التقرير كان بيتكلم عن نوعية رصاص اسمه Hollow point، وده نوع من الرصاص بيصيب الضحية بدقة شديدة من مسافات بعيدة، وبيسبب إصابات بالغة غالبا بتؤدي للوفاة أو البتر لو حصلت في الأطراف، واللي الطب الشرعي أثبت إن معظم الإصابات والوفيات كانت بسببه. الرصاص ده من الصعب جدًا الحصول عليه، وغالبًا بيتم الحصول عليه بطريقة مخابراتية للاستعمال بواسطة قوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية، وبإذن خاص من وزير الداخلية، وإن كان فيه قوة خاصة بتتدرب عليه في معسكر خاص داخل سجن طرة.
*لجنة تقصي الحقائق عرفت توصل لمعلومات إن وزارة الداخلية استوردت عدد كبير من الرصاص ده من أمريكا قبل ثورة يناير مباشرة، بطلب من حبيب العادلي شخصيًا، ولما اللجنة فتشت على سركيهات صرف الرصاص ده، لقت حوالي 300 رصاصة مفقودة، اتصرفوا في فترة الثورة للقوة اللي كانت تحت مسئولية حبيب العادلي شخصيًا".

ولأن السيسي هو من حذر الإخوان من موقعة الجمل، وفقًا لشهادة البلتاجي في أحد البرامج التليفزيونية عام 2012، رغم أنه من الواضح أنه هو أيضًا من رتّب لها، وكان عالمًا بهوية من سيأتون للميدان من قبل أن يأتوا! –وهو ما تعامى عنه البلتاجي وقت شهادته-، فقد عيّنه مرسي وزيرًا للدفاع، ثم تآمر الإخوان لإخفاء تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي ربما يمثل إدانة له في موضوع قنص المتظاهرين، وهو نفس ما حدث بشأن طرمخة مرسي على تقرير يوم الجمل.


وهنا تستوقفنا نقطة هامة، وهي: هل حقًا كان في يد الإخوان تقرير يدين العادلي الذي مرمطهم لسنوات في السجون، وأخفوه؟! أم أنهم كانوا مضطرين لإخفاء التقرير بالكامل رغم إدانة العادلي لأن فيه ما يمسهم وما يمس وزير دفاعهم آنذاك؟!

الإجابة المنطقية أنه لو لم يكن بالتقرير ما يمسهم ما أخفوه، ولو لم يكن ما فيه يمس السيسي لما استمر في إخفائه بعد أن صار رئيسًا، وبإمكانه نقض قرار مرسي الذي أصدره في أول ديسمبر 2012 باعتباره سريًا.

اقتحام السجون
هناك أمور لا زلنا نذكرها بشأن فتح السجون أثناء الثورة، وهي بحمد الله موثقة، أهمها:
*مكالمة مرسي مع قناة الجزيرة، بعد تهريبه ومجموعة من قيادات الإخوان، من سجن وادي النطرون، بواسطة هاتف الثريا؛ حيث كانت الاتصالات مقطوعة في مصر. ونعلم أن السجن في مكان منقطع، وأبوابه تنفتح على الصحراء، وأقرب مدينة إليه هي مدينة السادات، وتُعتبر بعيدة عنه مع ذلك، ولا يوجد أهالي مجاورون له لديهم من المبررات تكبد عناء محاولة فتح بابه طيلة أربع ساعات حتى انفتح، وذلك كما ادّعى مرسي في مكالمته!

*هروب خلية من أفراد حزب الله اللبناني، ضمن من هربوا من سجن المرج، وقام أحد المساجين بتصوير عملية الهروب على الهواء، واذيعت على قناة الحياة، مع ادّعاء السجين الذي قام بالتصوير بأن الضباط كانت لديهم تعليمات بفتح السجون.
ثم ظهور سامي شهاب، أحد رءوس حزب الله الهاربين من سجن المرج، بعد أيام بلبنان، وسط احتفاء التنظيم به.

*شهادة مأمور سجن المنيا برفض تعليمات جاءته من قيادة أعلى منه في وزارة الداخلية لتسهيل هرب المساجين في سجنه.

ومن ثم، فالعادلي وبعض قيادات الداخلية ضالعين في مسألة اقتحام السجون، ولكن من المُحتمل أيضًا أن يكون قد تم تسرب عناصر غير مصرية من الحدود مع غزة بعد الثورة، وساهمت تلك العناصر في فتح السجون لتهريب قيادات الإخوان وخلية حزب الله، لكن الإنصاف يلزمنا بأن نقر أنه: ولأن المعبر والمنطقة المحيطة به وقتها كانت تحت إمرة الشرطة ثم حرس الحدود، فالمسئولية تقع على الشرطة وعلى رئيس المخابرات الحربية.

وهذا رابط ترجمة مجموعة تدوينات قصيرة من موقع تويتر، لباحثة ومديرة ملف مصر في هيومن رايتس ووتش، هبة مُرايف، في 31 يوليو 2013، تصف كيف كان الوضع في عهد مرسي، والذي لا زال يتباكى عليه الإخوان، وكأننا قد متنا، فحلّ لهم الكذب!

وخلاصة القول إن السيسي والعادلي والإخوان جميعهم خونة.

الأربعاء، 12 ديسمبر 2018

166-لغات الحب!

166-لغات الحب!
د/منى زيتون
الخميس 14 فبراير 2019

**ملحوظة: فكرة لغات الحب مأخوذة عن د/جاري تشابمان، لكن ما ورد في هذا المقال ليس نقلًا عنه.

يعتبر كتاب "لغات الحب الخمس" The 5 Love Languages للدكتور جاري تشابمانGary Chapman استشاري العلاقات الزوجية، من أكثر الكتب مبيعًا حول العالم.
الفكرة الأساسية التي طرحها الكاتب في كتابه أن ما يجعل شخصًا يشعر أنه محبوب يختلف عن شخص آخر، وبالتالي فإن طرق البشر التي يعبرون بها عن الحب لشركائهم تختلف؛ ولذا فأحيانًا لا ندرك حبهم لنا، لأننا ننتظر منهم عطاءً من نوع ما، بينما هم يقدمون لنا الحب بطريقة أخرى، كما نقدم نحن لهم الحب بطريقة لا يفهمونها! وكمثل شخصين يتحدثان لغتين مختلفتين من المؤكد أن يحدث سوء تفاهم!
اعتبر الكاتب أن هناك خمس لغات حب مختلفة، ولكل منا لغة حب أساسية يستخدمها للتعبير مع أحبائه، وأحيانًا نستخدم اللغات الأخرى أو بعضها كلغات ثانوية. هذه اللغات هي:
لغة الحب الأولى: كلمات التشجيع  Words of Affirmation
لغة الحب الثانية: تكريس الوقت Quality Time
لغة الحب الثالثة: تبادل الهدايا  Receiving Gifts
لغة الحب الرابعة: الأعمال الخدمية  Acts of Service
لغة الحب الخامسة: الاتصال البدني  Physical Touch
ولأن الحب ليس أخذًا بل هو عطاء؛ فهو شيء مقدم للآخر وليس لأنفسنا، ركز تشابمان على أن إرضاء الشخص لشريكه يخلق حالة من السعادة والإيجابية لديه، يعود على الفرد ذاته، وما لم نتعلم لغة الحب الأساسية الخاصة بشريكنا في الحياة كلغة حب ثانوية لنا، إضافة إلى لغتنا الأساسية للحب، لنعبر له من خلالها، لن نستطيع إرضاءه؛ فمعرفة لغته وتعلمها هي بمثابة امتلاك مفتاح قلبه. كما أن التحدث بلغة حب شريكنا ليس علامة فقط على حبنا له، بل هو إشعار له بالأمان في علاقته بنا، بل وفي الحياة بوجه عام، وإشعار له بأهميته لدينا، ورفع لمستوى ثقته بنفسه وثقته في علاقته معنا.
حقق الكتاب نتائج باهرة بين من قرأوه، إلى حد صناعة المعجزات، وإعادة الحب والسعادة إلى أكثر الأزواج ضجرًا وكراهية لعلاقتهما، لأنه أفهم كل زوج أن عليه أن يقدم الحب إلى الطرف الآخر بالطريقة التي يتمناها الآخر. أن يسلك بالطريقة التي ترضي الشريك وتسعده، فسلوكياتنا السيئة نحو شركاء حياتنا كثيرًا ما تكون محاولة منا للبحث عن الحب وفق طريقتنا.
نقطة أخرى هامة لفت إليها د/تشابمان، وهي أن استخدام لغة الحب المناسبة لا بد أن يكون بصفة مستمرة، كي يكون الشريك ممتلئ بالحب دائمًا، فالحب هو غذاء علاقاتنا الاجتماعية التي لا ضمان لاستمرارها حية بدونه. وبدون ملء خزان الحب لشريكنا بشكل دائم سيشعر شريك الحياة أنه مستغل وليس محبوبًا.

لغة الحب الأولى: كلمات التشجيع (الكلمة الطيبة صدقة)
بالنسبة للغة الحب الأولى؛ كلمات الثناء والتشجيع، فتعتمد على الإطراءات اللفظية وإظهار التقدير الدائم لشريك الحياة عندما تعلم أن هذه لغة الحب التي يفهمها؛ فتمتدح زيه وهيئته وأي عمل منزلي قام به، وأي عمل مهني نجح فيه، بعبارات بسيطة ومباشرة. وهذا بدوره سيحفزه فيحاول إرضاءك وإسعادك كرد فعل لكلماتك الطيبة التي أشعرته بحبك له.
إن كلمات التشجيع تتطلب في البداية أن نرى الأمور من منظور شريكنا، ونشعر باحتياجاته ورغباته وأولوياته. كلمات التشجيع تشعر من يتلقاها بالأمان لثقة الشريك فيه وفي قدراته، وتساعده على تنمية أداءاته ومهاراته التي يرغب في تطويرها، وأن يأخذ خطوات جادة في حياته لم يكن ليأخذها لولا تشجيع شريك حياته.
وكل منا مهما كان حجم استيائه من شريكه فلا بد أنه يقر أن له حسنات وأشياء جميلة يفعلها ولو أحيانًا. جميل أن نركز على إخبار شريكنا بما يعجبنا فيه، وأن نكف عن الشكوى والتذمر مما لا يعجبنا. جميل أن نذكر نجاحاته ونثني عليها بدلًا من أن ننكر عليه سلوكياته التي تزعجنا، ومن الرائع أيضًا أن نشجع أي سلوك إيجابي يعتبر خطوة صحيحة في طريق السلوك المستهدف الكامل الذي يستحق التشجيع حقًا. كما أنه من الرائع أن نمدحهم ليس فقط أمامهم، بل وأمام غيرهم من الناس المهمين بالنسبة لهم، والذين نثق أنهم سينقلون لهم رأينا الإيجابي فيهم.
من خلال ملاحظاتي المتجمعة، -والتي بدت لي غريبة للوهلة الأولى عندما توصلت إلى هذا الاستنتاج- فإن الرجال بحاجة إلى كلمات التشجيع والتقدير من شريكات حياتهم أكثر مما تحتاجها النساء! كما أن من هذه لغته الأساسية لاستشعار الحب يضايقهم الشكوى والنقد والإلحاح كثيرًا أو معارضة الشريك لأفكارهم، بقدر ما يضايقهم نقص الدعم اللفظي من الشريك. وسبق أن تحدثنا في مشكلات التواصل اللفظي عن حساسية الرجال تجاه أي خلاف في الرأي من زوجاتهم في موضوعات مصيرية هامة، وأزعم أن الرجال أيضًا حساسين لفظيًا للغاية تجاه عدم استشعار التقدير من شريكات حياتهم لهم، وعدم تقديرهن لما يقومون به لأجل دعم الأسرة. ومن أهم ما يُشعر الرجل بالتقدير أن تأخذ المرأة رأيه في أمورها وشئونها الخاصة.
قد يقول قائل أن كثيرًا من النساء أيضًا في أوقات الشكوى قد ترد على زوجها بأنها أيضًا تفعل كذا وكذا للمنزل وله وللأولاد ولا تتلقى تقديرًا، لكن حقيقة الأمر أنه شتّان بين الفعل وبين رد الفعل. المرأة حين تقول هذا فليس أكثر من رد فعل على مقولة الرجل، أما الرجل فهو دائم الشكوى الحقيقية من نقص تقديرها له لأن هذا بالفعل يحزنه، بينما هي إن كانت تستشعر نقصان حبه لها فغالبًا سيكون بسبب انشغاله الدائم عنها وعدم قضاء وقت معها.
نقطة أخرى لاحظتها، وهي أن الأشخاص الذين يستشعرون الحب من خلال كلمات الدعم والتشجيع ربما كانوا أكثر قابلية للوقوع في الخيانة الزوجية من غيرهم، لأنهم الأسهل في تبدل عواطفهم وتحولها إلى شخص آخر يصبح هو مصدر الدعم في حياتهم، والذي لا يستغنون عنه! وربما لأجل ذلك كانت الخيانة أكثر انتشارًا بين الرجال.

لغة الحب الثانية: تكريس الوقت
لغة الحب الثانية؛ هي تكريس الوقت، وتعني أن الحب عند من هذه لغته هي قضاء بعض الوقت معه بشكل دوري، يتحدث فيه مع الشريك، وقد يمارسان نشاطًا مشتركًا فيه –حتى ولو كان الحديث أثناء تناول الطعام-، مما يشعر الفرد بالاهتمام والأمان والسعادة.
ولأن قضاء الوقت يتوفر كثيرًا في مرحلة الخطبة حيث يتحدث كلا الطرفين كثيرًا رغبة من كليهما في التعرف على الطرف الآخر، فإن الصدمة تكون مفجعة بعد الزواج لمن تكون هذه لغته الأساسية التي يستشعر من خلالها الحب، بينما تكون لغة شريكه لغة أخرى.
هذه اللغة تنتشر بين النساء أكثر، وهي سبب جملتهن الخالدة بعد الزواج "أنت لم تعد تهتم بي"! فكثيرًا ما تكمن الإشكالية وراء اختفاء سعادة المرأة الزوجية في أن المرأة ترى أن عدم حديث الرجل معها، وقضاءه وقته بعيدًا عنها، وممارسة أنشطة لا تجمعه بها، دليلًا على قلة حبه واعتنائه بها؛ فلا هو يهتم بعالمها، ولا هي جزء من عالمه!
والرجال في الغالب يستمرون بعد الزواج في قضاء أوقات مع أصدقائهم، وغيرها من الأنشطة الذكورية كمشاهدة مباريات كرة القدم وغيرها، التي لا تستهوي كثيرًا من النساء فلا يشاركونهم فيها. ربما كان من أسباب الفشل الزوجي إصرار الرجال على أن يستمر برنامج لقاءاتهم مع أصدقائهم بنفس المعدل الذي كان عليه قبل الزواج. ولا أبالغ حين أقول أن انتشار الكافيهات المزعج حيث يلتقي الرجال بعيدًا عن زوجاتهم له دوره في رفع نسب الطلاق.
كما أن الوقت الذي يقضيه كثير من الرجال في المنزل لا يعطون فيه زوجاتهم انتباههم؛ فجلوسه بجانبها في حجرة المعيشة بينما يُحدق في جهاز التليفزيون أو الكمبيوتر أو يقرأ مجلة أو جريدة ليس وقتًا يمضيه معها ويتحدث إليها، وقد ذكرنا عند الحديث عن الاتصال البصري أن المرأة لا تشعر بالانتباه إلا عندما ينظر الرجل إليها، حتى لو كان يسمعها بالفعل. كما ذكرنا في الفصل الخاص بأساليب التواصل أن المرأة كثيرًا ما لا تريد أكثر من الفضفضة مع الرجل عما يزعجها، فهي لا تطلب منه النصح بل الإنصات! وهو ما لا يفهمه أغلب الرجال.
في مصر، كانت هناك عادة منتشرة في بيوت الطبقة العليا والطبقة المتوسطة من المجتمع المصري حتى أواخر القرن الماضي، وهي جلسة شاي وحلوى وقت الأصيل قبل غروب الشمس، وكانت لقاء العائلة اليومي الذي يتحدث فيه الزوجان والأبناء، ويعرف فيها الجميع أخبار باقي أفراد الأسرة. كانت جلسة يومية تعمق الروابط الأسرية وتشيع الدفء في العائلة، وتعرِّف كل فرد ما يحب ويكره الباقين. لكن مع أهمية تلك الجلسات التي تضم الأبناء فإن جلسات الزوجين الخاصة لا غنى عنها.
إذًا فالمقصود بتكريس الوقت أي إعطاء الانتباه الكامل لشريك الحياة، إعطاؤه وقتًا كافيًا –ليس بالضرورة أن يكون طويلًا- يتبادلان فيه الحديث عن أحوالهما وما يشغلهما، وربما يتشاركان في نشاط يستمتعان به معًا. أن يكونا معًا، وليس أن يكونا فقط في نفس المكان! وأن يكونا معًا تعني أن يعرف كل منهما عن الآخر أدق تفاصيل حياته، وكل ما يحب وكل ما يكره، وعندما يسترجعان شريط حياتهما معًا يكون بإمكانهما أن يجدا العديد والعديد من الذكريات المشتركة، وهي ما يمكن أن نُطلق عليه اسم "ذكريات الحب".
وأحيانًا تكمن المشكلة ليس في عدم رغبة الرجل تخصيص جزء من وقته لقضائه مع زوجته، ولكن المشكلة أنه لا يعرف كيف يتبادل معها الحديث، لا يعرف كيف يحدثها عن نفسه لأنه لا يجيد التعبير اللفظي عن أفكاره ومشاعره الشخصية، وليس المقصود هنا أن يخبرها بحبه، فهذا تبسيط مُخلّ لحجم المشكلة.
كما قد تكمن المشكلة في طريقة تعبير المرأة عن رغبتها في تكريس زوجها لبعض من الوقت يقضيه معها؛ لأنها ببساطة تصيغ طلبها صياغة عامة، وليس صياغة محددة؛ فالرجل غالبًا لا يعرف ماذا عليه أن يفعل تحديدًا، فإن أردتي منه أن يخرج معكِ للتنزه أو لتناول الطعام وحدكما أخبريه عن رغبتك بشكل محدد. ومن المهم للغاية عدم الإلحاح خاصة إن كان زوجك لغة الحب له هي اللغة الأولى "كلمات الدعم والتشجيع"؛ فهؤلاء يكرهون الإلحاح والشكوى تمامًا وربما يعاندون!
ولا يعني هذا أنه لا يوجد رجال يتشكون من أن زوجاتهم لا يضعوهم على قائمة أولوياتهن، لكن بالتدقيق نجد أغلب شكاوى الرجال من انشغال النساء تكون منصبة في حقيقة الأمر على لغة الحب الرابعة "الأعمال الخدمية"؛ فهو لا يشتكي أنها لا تمنحه جزءًا من وقتها لتقضيه معه، بل يشتكي تقصيرها في أداء الأعمال المنزلية، والفرق كبير.
ملحوظة أخيرة لاحظتها في علاقة الأبناء بالآباء تتعلق بتكريس الوقت، وهي أن اندماج المراهقين في جماعات الأقران بشكل كلي/جزئي يرتبط بدرجة أساسية بتكريس الوالدين أوقاتًا لهم في مرحلة الطفولة؛ فالوالد الذي يُكرس وقتًا كافيًا لابنه في طفولته يقوي علاقته به لدرجة الصداقة في الكِبر ولا تغنيه أقرانه عن أبيه مهما كانوا، وعلى العكس من ذلك قد تنقطع علاقة المراهقين بآبائهم لأنهم عانوا في طفولتهم من نقص تخصيص أوقات يقضونها معهم.

لغة الحب الثالثة: تبادل الهدايا (تهادوا تحابوا)
لغة الحب الثالثة، هي تبادل الهدايا. "تهادوا تحابوا". وإن كانت لغة الحب الثانية؛ تكريس الوقت، تصنع "ذكريات الحب"، فلغة الحب الثالثة تصنع "تذكارات الحب".
ولا يخلو زواج في أي ثقافة حول العالم من تبادل الهدايا، بل إن إعلان الارتباط يبدأ بخاتم يهديه الزوج إلى زوجته. في ثقافتنا العربية يُسمى هذا الخاتم بالدبلة، ولا بد من قطع ذهبية أخرى تُهدى إلى العروس تُسمى الشبكة، تختلف قيمتها وحجمها من منطقة إلى أخرى، وإن كانت الظروف الاقتصادية الطاحنة قد ساهمت في تقليلها، لكنها لا زالت باقية لأن هناك من لغة الحب الأساسية عندهم هي تلقي الهدايا! فالحب ليس عطاءً معنويًا فقط بل ومادي أيضًا!
والهدية في حقيقتها هي رمز مادي له قيمة عاطفية. لكن الهدايا ليست ذهبًا ومجوهرات فقط، ولا يلزم أن تكون غالية الثمن، بل تكمن قيمتها في أن من أهداها قد فكّر في إسعادك، وانتبه إلى ما يعجبك، فانتقى هديته لتناسب ذوقك. والتفات شخص إلى قيمة الهدية التي أُهديت له ربما كان علامة سوء في شخصيته، لكن ربما كان أيضًا لأن الهدية بسيطة للغاية بحيث لا تتناسب إطلاقًا مع المستوى المادي لمن أهداها.
هناك صعوبتان تتعلقان بهذه اللغة من لغات الحب، إحداهما ذكرها د/تشابمان في كتابه، وهي أن الشريك المطلوب منه إسعاد شريكه التي هذه لغته، عليه تعلم كيفية اختيار الهدايا أو صنعها، وربما كانت الاستعانة برأي الأصدقاء وأفراد العائلة مفيدًا.
الصعوبة الأهم من وجهة نظري التي لم يذكرها د/تشابمان هي أنه وإن كانت المداومة على الهدايا شيء جيد في الثقافات الغربية إلا أن هذه اللغة للحب يصعب أن تكون لغة رئيسية في ثقافتنا للتعبير عن الحب؛ بحيث نعطي هدايا بشكل مستمر كما نفعل في كلمات التشجيع وتكريس الوقت، ولو فعل زوج مصري هذا سيساور القلق زوجته بأنه ولا شك اقترف كارثة ويسترضيها ليقلل قوة الصدمة إزاء فعلته.
في ثقافاتنا العربية غالبًا ما تقترن الهدايا بالمناسبات، وقد تكون هذه المناسبات مستجدة كترقية حديثة أو عودة من سفر، وقد تكون ذكرى كعيد الزواج وعيد الميلاد، وهذه الأمور الأخيرة يصعب على الرجال كثيرًا تذكرها، وبالتالي لا يشترون الهدايا المتوقعة منهم لزوجاتهم، وتنشأ المشكلات من جرّاء ذلك.
وكفرق ثقافي إضافي بين ثقافتنا والثقافة الغربية في التعبير عن الحب بلغة العطاء المادي، كثيرًا ما يستبدل الزوج الهدايا بالنقود في المناسبات كالأعياد، أو يعطي الزوجة بطاقة بنكية للسحب منها بشكل دائم وشراء كل ما تريد بدلًا من التفكير في شراء هدايا قد لا تناسب ذوقها.
قد يظن البعض أن الأفراد الذين يفضلون الهدايا المادية للتعبير عن الحب ماديون متطلبون بطبعهم، والحقيقة أن هذا ليس شرطًا على الإطلاق، وأحيانًا ما يكون هديته المادية التي يطلبها هي وجود شريكه بذاته جانبه في مواقف حياته الصعبة. ربما يختلط علينا الأمر في هذه الحالة، فهل هي تكريس للوقت أو تقديم هدية؟! لكن لأنه ليس أي وقت، ولأنها أوقاتنا الصعبة، فوجوده المادي في حد ذاته هو هدية.
كما أن هؤلاء الأشخاص يقدرون الهدايا من نوعية أن يشتري شريك الحياة وجبات طعام جاهزة أو يتولى أمر الشواء عوضًا عنهم في العزائم، أو حتى تقديم ورود أو هدية للمنزل، أو أن تدفع صدقة جارية عنهم، كما أنهم يحبون الهدايا التي تُصنع لأجلهم مهما كانت بسيطة.

لغة الحب الرابعة: الأعمال الخدمية
لغة الحب الرابعة، هي الأعمال الخدمية. ولا يجب أن نتصور أن هذه اللغة تنتشر بين الرجال فقط فيشعرون أن المرأة التي تؤدي الأعمال المنزلية بمهارة تحبهم لأجل ذلك، فهناك نساء كثيرات أيضًا من هذه النوعية التي تُقدر للغاية الأعمال الخدمية وتستشعر أن الآخر يحبها عندما يقوم بها لأجلها، وكما يمكن أن نجد رجلًا يشكو أن زوجته لا تكوي ملابسه أو لا تطهو طعامه، يمكن أن نجد امرأة تتشكى من أن زوجها لم يصلح لها صنبور المطبخ أو أنه كثيرًا ما ينسى إخراج كيس القمامة!
ولا تقتصر الأعمال الخدمية على الأعمال المنزلية. الفكرة أن هؤلاء يشعرون بالحب ويجدونه أكثر عند مساعدة الآخرين لهم في تنفيذ أي عمل أو مشروع. أن تعمل أشياء من أجلي يعني أنك تحبني.
والأعمال الخدمية ليست كتكريس الوقت الذي نقرر فيه فقط أن نكون على سجيتنا مع شريك حياتنا، وأن نمارس أنشطة ممتعة كالتنزه أو تبادل الحديث، بل يستلزم القيام بالأعمال الخدمية بذل الجهد، وكما أن البعض يسيء فهم فكرة تكريس الوقت فيعتقد أن وجوده في نفس الحجرة بينما يتشاغل عن شريكه بشيء ما يعني أنه يهتم لأمره، فكذلك هناك من يؤدي تلك الأعمال الخدمية مع التبرم وإظهار الاستياء، فيستحيل أن تكون والحال كذلك تعبيرًا عن الحب.
من أهم ملاحظاتي حول من لغة حبهم الأعمال الخدمية أنهم من أنصار الدور الجنسي التقليدي؛ أي أنهم يحتفظون في أذهانهم بتصور تقليدي عن الأدوار التي يجب أن يلعبها الذكور وتلك التي يجب أن تؤديها الإناث، وليس لأي منهم أدنى رغبة في القيام ببعض أدوار الجنس الآخر التقليدية، فكما يستحيل على رجل منهم أن يغسل الأواني أو يساعد في تنظيف الأطفال فإن المرأة منهم تنتظر من الرجل أن يقوم بصيانة المنزل بنفسه، وكما يكره هو أن تشتري طعامًا جاهزًا أو تحضر خادمة إلى المنزل، تكره هي أن ترى عمالًا في المنزل لإصلاح الأشياء البسيطة فيه! كما أن الرجل الذي هذه لغة حبه الأساسية لا يحب أن تعمل زوجته خارج المنزل أو تكثر الخروج من المنزل حتى للزيارات العائلية.
وقد ذكرنا سابقًا أن الرجل عادةً يستخدم الصيغة الآمرة كأسلوب ذكري في التواصل لضمان تحقيق طلباته إن تأخرت المرأة عن تلبيتها، فإن كانت لغة الحب الأساسية التي تشعره بالحب هي الأعمال الخدمية فأوامره التي يلقيها لا شك تُلحق الأذى النفسي بشريكته. يمكن استبدال الأمر بالطلب لأن تلقي الأوامر يُضيع جو المحبة والود، وتضرره لن يقل عن مستوى تضررها. يمكنه أيضًا أن يحدد لها طلباته منها بوضوح، وربما يضع قائمة بما يحب أن يكون عليه شكل المنزل عند عودته، وأن يتحمل دوره في الأعمال التي يقوم بها الرجال عادة ولا يتهرب من أدائها ويلقيها عليها.

لغة الحب الخامسة: الاتصال البدني
يعتبر الاتصال البدني لغة الحب الخامسة التي تشعرنا بحب شريك الحياة لنا. وهي تبدأ من الأيدي المتشابكة وحتى العلاقة الحميمة بين الزوجين.
الشد على الأيدي والعناق تحديدًا لا يتوقفان على العلاقات الزوجية، فهما من قنوات التواصل غير اللفظي العالمية التي نُشعر بها الآخرين بحبنا ومساندتنا لهم خاصة في أوقاتهم الصعبة.
على العكس من تكريس الوقت فإن مجرد الجلوس بجانب شريك الحياة أثناء مشاهدة التليفزيون أو القيام بأي نشاط مستقل بجانبه يعتبر تعبيرًا عن الحب لمن تكون لغة حبهم الأساسية هي الاتصال البدني.
وشريك الحياة الذي يكون اللمس طريقته في التعبير عن الحب لا يكثر فقط من الاقتراب وملامسة شريكه، بل ويعبر عن حبه بنفس الطريقة مع كل فراق ولقاء قصير، فبمجرد الخروج من المنزل والعودة لا بد من تقبيل الشريك وعناق قصير. وهو يحب أن يسير بجانب شريكه في الطريق وقد يمسك يده، وينزعج كثيرًا عندما يشعر أن شريكه ينفر من المشي إلى جانبه فيتقدم أو يتأخر!
وإن كانت الخيانة الزوجية تؤثر في أي إنسان طبيعي، فإنها لدى أصحاب لغة الحب الخامسة تكون مدمرة لهم على المستوى الإنساني، فالطريقة التي طالما اعتبروها تعبيرًا لهم عن الحب يتم التعبير بها لشخص آخر!
وكثير من الرجال يعتقدون أن الاتصال البدني هو لغتهم الأساسية للحب لمجرد أنه يشعر بالرغبة الجنسية نحو شريكة حياته، وهذا خلط كبير؛ فلغة الحب الأساسية هي اللغة التي تُشعر الشخص أنه محبوب، والتي يُعبر بها الشريك لهم عن الحب. فإذا ما كانت العلاقة الزوجية الحميمة لا تكفي وحدها لتشعر الرجل أن شريكته تحبه –وكثيرًا ما يكون الأمر كذلك-، فهذه ليست لغته الأساسية للحب.
وينبغي أيضًا ملاحظة أن الرجل تنشأ لديه الرغبة في العلاقة الحميمة مع زوجته لأسباب فسيولوجية حتى ولو لم يكن يستشعر حب زوجته له، وذلك على العكس من أغلب النساء اللاتي يستحيل أن يرغبن في تلك العلاقة ما لم يكن يحببن أزواجهن ويشعرن بحبهم لهن.
*********
ينبغي ملاحظة أن هذه اللغات ليست قاصرة فقط على التعبير عن الحب في العلاقة بين الزوجين، بل هي لغاتنا التي نعبر بها عن الحب لكل الناس، كبارًا وصغارًا، قطعًا مع اختلاف درجة علاقاتنا بهم. وكي تنجح علاقتك مع أي إنسان بدءًا من ابنك الصغير ووصولًا لزميلك في العمل أو جارك في السكن ينبغي أن تعرف لغة الحب الأساسية التي يفهمها وتؤثر فيه لتتعلمها كي تعبر له عن نواياك ومشاعرك الطيبة نحوه عن طريقها. هذه هي اللغة التي يمكن أن تخاطبه بها فيفهمك، ويشعر بحبك له.
لكن، من منا لا تسعده كلمة طيبة، كلمة تقدير وتشجيع ممن يحبهم؟ ومن لا يشعر بالسعادة عندما يقضي وقته معهم؟ ومن لا يشعر أن من أهدى له هدية يحبه ويفكر فيه؟ ومن منا لا يمتن كثيرًا لمن ساعدوه في إنجاز عمل وخدموه بطريقة أو بأخرى؟ ومن لا يشعر بالدفء والأمان عندما يمسك بيد أحبائه أو يحتضنهم؟
الحقيقة الدامغة أننا كلنا كبشر نفهم تلك اللغات الخمس لكن بدرجات مختلفة، والحال يشبه من يتكلم لغة أم، ولغات أخرى بعضها قد يتقنها لكن ليس إلى درجة إتقان اللغة الأم، وبعضها يتحدثها بدرجة ضعيفة.
وأسهل طريقة لنعرف اللغة الأساسية للحب لشخص ما هي من نوعية الشكوى التي يبديها الشخص تجاه شريك حياته، لأنه حين يشتكي يكشف دون قصد سبب نقص شعوره بالحب؛ فهل هو يشتكي أنه لا يُقدِّره أو من أنه لا يقضي الوقت معه أو ......؟ وليس بالضرورة أن نكون نتذمر لدرجة الشكوى فيمكننا أن نعرف لغتنا من مراجعة ما نطلبه من الشريك. كما أن طريقتك في التعبير عن حبك للشريك قد تعبر عن لغة الحب الخاصة بك التي تتمنى أن يخاطبك بها، لكن ربما كانت تعبر أيضًا عن تنشئتك الاجتماعية.
أمر آخر هام ينبغي لفت النظر إليه هو أنه في حال كان للشريكين نفس لغة الحب الأساسية، فإن هذا لا يعني بتاتًا أن كلًا منهما سيجيد مخاطبة الآخر بها، ففي بعض الأحيان تكون للتنشئة الاجتماعية في بيئتين مختلفتين تأثيرها السلبي على إمكانية التفاهم؛ فقد يشتركان في كونهما يرغبان في كلمات التشجيع، ولكن أساليبهما التعبيرية تختلف، كما قد تختلف المواقف التي يرونها جديرة بالاهتمام وتشجيع شريك الحياة عليها، وقد يشتركان في أنهما يرغبان في تكريس وقضاء الوقت مع الشريك ويختلفان حول نوعية الأنشطة والاهتمامات التي يمكن أن يقضوا أوقاتهما فيها! كما قد يختلفان على نوعية الهدايا التي يجدها كل منهما مناسبة للآخر! وقد يكونان ثنائي لغته الأساسية هي الأعمال الخدمية لكن الرجل لا يقبل أن يقوم ببعض الأعمال التي تربى في منزله على أن المرأة فقط هي من تقوم بها، والعكس، فلا هو يمكن أن ينظف المنزل بالمكنسة ولا هي ستعتني بحديقة المنزل أو تشتري الطلبات لأن والدها هو من كان يقوم بهذه الأعمال! 
ينبغي ألا نعرف فقط لغة الحب الخاصة بشريكنا، بل أن نفكر بدماغه، ونسأل أنفسنا عما يمكن أن يسعده حقًا. تريد أن تقضي معه وقتًا اقضه في مكان يحبه هو، لا المكان الذي تحبه أنت. تريد أن تشتري له هدية، اشترِ ما يعجبه هو، لا ما يروقك أنت. تريد أن تطهو له اصنع له طعامه المفضل. حاول أن تتوافق مع نفسيته، مع تطلعاته، مع رغباته. يمكن أيضًا أن تخيّره.
كثيرون تكمن مشكلتهم في محاولاتهم الدؤوبة لإسعاد من يحبونهم والتقرب منهم، لكن على طريقتهم هم. علاقاتهم مع الناس أشبه بمن يمسك قوسًا، يرمي به أسهمًا كثيرة، لكن أي من تلك الأسهم لا يصيب الهدف، ولا حتى يقترب منه. ثم يشتكون بعد ذلك عن سر عدم تقبل شركائهم لهم، وابتعادهم عنهم.
باختصار، فكر كما لو كنت هو/هي.
والأمر يستحق المحاولة. علينا أن نفهم أن تعلم لغة حب الشريك ومخاطبته بها لإرضائه عاطفيًا من الأساليب الناجحة عند إعادة فتح صفحة جديدة بين الزوجين، يتطلعان فيها للمستقبل، وينسيان ما أفسداه في الماضي في علاقتهما نتيجة التعامل الخاطئ لكل منهما مع الشريك.
هناك أيضًا نقطة هامة أشير إليها، وهي أنه بالرغم من اتفاقي مع د/تشابمان في أن أغلب مشاكل التواصل تأتي من عدم توافق ما يقدمه لنا من يحبونا مع توقعاتنا منهم، وأنهم لو تعلموا أن يتوافقوا مع توقعاتنا ويخطبوا ودنا بما يسعدنا سيكون ذلك رائعًا، لأن الحب هو شيء نقدمه للآخر وليس لأنفسنا، نلبي به احتياجه، ليرتد ذلك إلينا، لكن مع ذلك أرى أن د/تشابمان قد فاته أن يلفتنا إلى ضرورة الانتباه إلى ما يُقدم لنا كتعبير عن الحب وتقديره أيًا كان اللغة التي يُقدم بها، لأن الحفاظ على العلاقات الإنسانية في النهاية مسئولية الطرفين، وكل شخص منا مهما تعلم التعبير بلغة الآخر ليسعده سيبقى أسهل عليه أن يُعبر بلغته، وبدلًا من أن يتحدث كل منا لغة الآخر العاطفية لِم لا نتحدث معًا باللغتين معًا ونقدرهما معًا لنصل إلى الإشباع العاطفي لكلينا معًا؟ مع ذلك أتمنى ألا تكون هذه الفكرة الأخيرة رِدّة لمن فهم فكرة لغات الحب فيستسهل ويعبر عن حبه بلغته هو فقط، ويتناسى لغة الآخر التي هي السبيل الحقيقي لإسعاده، لتبقى فكرة لغات الحب بالنسبة إليه تنظيرًا لا حظ له من التطبيق!

الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

165-مشكلات منهجية


مشكلات منهجية
د/منى زيتون
الأربعاء 28 نوفمبر 2018
السبت أول ديسمبر 2018


تواجه الباحثين في حقل البحث العلمي في مصر والدول العربية العديد من المشكلات المتعلقة بمنهجية البحث العلمي، تعبر عن فشل واضح في تحويل ما تمت دراسته نظريًا في هذا الميدان إلى تطبيق عملي، أثناء كتابة الرسائل والدراسات العلمية.
بعض هذه المشكلات شكلية –إن جاز أن نصفها بذلك-، تتعلق بترتيب أجزاء الدراسة أو صياغة أجزاء منها، بينما يكون بعضها الآخر أكثر أهمية، وقد تؤثر على صحة نتائج الدراسة، أو قد تؤثر في عدم ترشيح الموضوع للبحث، أو تضع معوقات أمام اختيار فرضيات بعينها.

ما الذي ينبغي بحثه؟ (موضوع البحث)
تُعنى العلوم المختلفة بوجه عام بتفسير الظواهر الواقعة في نطاقها، وقد يرتفع سقف أهدافها للوصول إلى تنبؤات أو ضبط الظواهر من خلال هذا التفسير.
من أولى المشاكل التي قد تواجه الباحثين أن هناك من يعتقد أن الظاهرة المتسعة التكرار والأكثر انتشارًا هي التي تستحق الدراسة فقط، أما الظواهر الأكثر محدودية فأهمية دراستها ضئيلة، وربما لا يلزم دراستها!
حقيقةً أن هذا التصور أقرب إلى تصور العوام، وهو أكثر انتشارًا لديهم فيما يخص مجالات العلوم الإنسانية. على سبيل المثال فإن المعتاد من العامة عند طرح نتائج أي دراسة اجتماعية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، أن نجد كثيرين منهم ينقدون الدراسة، بدعوى أن من قام بها يُعمم، ولِم يبحث تلك الظاهرة وكأن المجتمع كله يعاني منها؟! والحقيقة أنه لا توجد مشكلة اجتماعية مهما شاعت يمكن أن يعاني منها جميع أفراد أي مجتمع! وهل علينا أن ننتظر أن يتم طلاق جميع الأزواج في المجتمع حتى نعامل الطلاق كظاهرة تستحق البحث في أسبابها وتفسيرها، سعيًا إلى الحد منها وضبطها؟ بل إنه وحتى المشكلات التي تكون لحالات فردية، ولا ترقى لمحدوديتها أن تكون ظاهرة، قد يكون بعضها هامًا، وينبغي البحث فيها، ومحاولة تفسيرها.
ولأجل تلك النظرة فإنه كثيرًا ما تُهمل كثير من الظواهر والحالات الهامة التي تستحق البحث في بداياتها، ولا تُبحث حتى تتفاقم وتتسع الرقعة.

الخلط بين الطريقة الاستقرائية والطريقة الاستنباطية في فرض الفروض
ينقسم الاستدلال العقلي إلى قسمين رئيسيين، هما: الاستقراء والاستنباط، ومعلوم أن تحديد المشكلات الجديرة بالبحث العلمي يمكن أن يأتي من خلال ملاحظة ما يحتاج إلى تفسير، ويصيغ الباحث على أساس تلك الملاحظات فروضًا استقرائية، أو يكون مصدر المشكلة النظريات ونتائج البحوث السابقة، وفي هذه الحال تُشتق فروضًا استنباطية منها.
تبدأ خطوات المنهج الاستقرائي بالملاحظة –والتجربة أحيانًا-، ومن خلالهما يُكوِّن الباحث تعميمًا استقرائيًا أوليًا، وللتيقن منه يتم وضع الفروض الاستقرائية، ثم التحقق من صدقها، وصولًا لإثباتها أو نفيها، ومن ثم يخلص الباحث إلى معرفة مُتحقق منها.
بينما المنهج الاستنباطي، يشتق فروضه من مُسلَّمات النظريات العلمية أو نتائج توصلت إليها دراسات سابقة. لا يبدأ بالملاحظة والتجريب، والاستقراء منهما، بل هما وسيلتان مساعدتان فقط في اختبار الفروض الاستنباطية، وتكذيب وتفنيد غير الجيد منها واستبعاده. وصياغة الفروض الاستنباطية تكون هي البداية، فهي تسبق الملاحظة والتجريب وليس العكس.
أحيانًا قد تصل الجرأة العلمية عند كبار العلماء أن يحْدِس بالفرض الاستنباطي دون أن تكون لديه نظرية ذات مُسلَّمات واضحة، اشتقه من خلالها. ويوجد على الانترنت مقطع فيديو شهير وقديم للغاية من زمن الأبيض والأسود للعالم الكبير ريتشارد فاينمان عن الطريقة العلمية  The Scientific Method، والتي تبدأ عنده بالافتراض، ثم يحسب ما يترتب على افتراضه، ثم مقارنة ذلك بالواقع، وتحديد ما إن كانت الفرضية صحيحة أو خاطئة بتوافقها أو عدم توافقها مع التجربة. وأيًا كان من وضع الفرضية فإن عدم توافقها يقتضي رفضها مباشرة. وطبعًا هذا يقتضي المحاولة مرة أخرى وافتراض فرضية جديدة.
لكن يبدو أن بعض كبار الأساتذة الباحثين في عالمنا العربي لديهم إشكالية في التمييز بين المنهجين الاستقرائي والاستنباطي.
منذ سنوات، حضرت سيمينارًا (حلقة بحث) في قسم علم النفس التربوي بإحدى أعرق كليات التربية في الوطن العربي. كانت هناك طالبة ماجستير تعرض أمامنا خطة بحث وضعتها في موضوع ما. كان واضحًا من عرضها أنها حددت مشكلة الدراسة من خلال الملاحظات المتجمعة لديها، وراجعت البحوث السابقة في المجال لمساعدتها على جمع مزيد من الملاحظات، وبناءً عليه حددت المتغيرات التي تصورت أنها السبب في المشكلة موضع الدراسة، ثم صاغت فروضًا استقرائية. والحقيقة أنني رأيتها فروضًا منطقية تستحق البحث في صحتها.
 فوجئتُ بالأساتذة الأفاضل في مجلس القسم ينقدونها نقدًا حادًا، تركز على اختيارها للمتغيرات، ورأوا أن الفروض التي وضعتها الباحثة تعسفية! لا علاقة واضحة بينها وبين المشكلة؛ لأنها تقوم أساسًا على ملاحظاتها الشخصية، واستقراء بعض البحوث السابقة، وليس على أدلة كافية من دراسات سابقة تدعمها!
وهذا خلط واضح بين المنهجين الاستقرائي والاستنباطي؛ لأن صلب المنهج الاستقرائي هو الملاحظات وليس مراجعة البحوث السابقة، وإنما تكون مراجعة البحوث لأجل جمع مزيد من الملاحظات وليس الأدلة! لمساعدة الباحث في الخروج بتعميم استقرائي، وصياغة فروضه الاستقرائية، التي سيختبرها بعد ذلك، أما المنهج الاستنباطي فهو الذي تنطلق فرضياته من مُسلَّمات نظريات أو نتائج واستدلالات بحوث سابقة.
ولذا لا عجب أن يبقى البحث العلمي لدينا متأخرًا طالما نضع العراقيل أمام الباحثين، ونرفض إعطاءهم الحرية في مطاوعة حدسهم أثناء عملية فرض الفروض، ورفض بحث المشكلات التي يلاحظونها في الواقع العملي، والتي يمكن أن تضيف معرفة جديدة غير مسبوقة، لنبقى فقط ندور في دائرة فحص المعرفة النظرية التي توصل إليها الغرب.

التصميم التجريبي
في الأبحاث التجريبية، يُعتبر أشهر تصميمين يمكن للباحث استخدامهما للتحقق من صحة فروضه هما تصميم المجموعة الواحدة مع اختبار قبلي وبعدي، وتصميم المجموعتين (تصميم المجموعة الضابطة مع اختبار قبلي وبعدي).
في حال إن كانت أعداد العينة المتاحة أمام الباحث قليلة فإنه يقوم بتحديد درجاتهم القبلية في المتغير التابع موضع الدراسة، وبعدها يبدأ تطبيق المعالجة التجريبية، ثم يعود ليقيس درجات أفراد العينة البعدية، ومقارنة الدرجات القبلية بالدرجات البعدية هي التي تحدد إن كانت المعالجة التجريبية فعّالة ومؤثرة.
أما إن توفرت أعداد كافية فأغلب الباحثين يستخدمون تصميم المجموعتين اللتين يتم تعيينهما عشوائيًا، وإحدى المجموعتين يتم تقديم المعالجة التجريبية لها، بينما الأخرى تكون مجموعة ضابطة أو مقارنة، تُستخدم نتائجها لمقارنة نتائج المجموعة التجريبية، فالدرجات القبلية للمجموعتين تكون بغرض التأكد أن المجموعتين متكافئتان قبل التجريب، بينما المفترض إن كانت المعالجة التجريبية فعّالة أن تكون هناك فروق دالة في الدرجات البعدية بين المجموعتين لصالح المجموعة التجريبية.
وللأسف فقد قرأت رسائل علمية كثيرة يستخدم الباحث فيها تصميم المجموعتين، ولكنه بعد ذلك يعتمد في تحديد النتائج على مقارنة الدرجات القبلية والدرجات البعدية للمجموعة التجريبية! لِم استخدمت المجموعة الضابطة إذًا؟! هل كان لديك فائضًا من الوقت والجهد؟!

مشكلات منهجية شكلية
إضافة إلى ما سبق تُوجد بعض المشكلات التي تتعلق بترتيب أجزاء البحث أو صياغة أجزاء منه. لعل أشهرها، عدم التمييز بين خطة البحث والفصل الأول، وإشكالية موضع الفروض من الدراسة، وعدم التمييز بين صياغة فرض البحث والفرض الإحصائي.
إن أول ما يشرع الباحث في إعداده هو خطة بحث متكاملة تعتبر مخططًا أوليًا لدراسته كلها، لا ينقصها سوى أدوات البحث والنتائج، أي أنها تتضمن مقدمة الدراسة، وتحديد المشكلة وتساؤلات الدراسة، وكذا تحديد أهدافها وأهميتها، وإطار نظري بسيط لها، وبعض الدراسات السابقة في الموضوع، ثم فروض البحث، ثم تصور عن منهج الدراسة والعينة والأدوات التي سيتم استخدامها. وتُعتبر موافقة مجلس القسم على خطة الباحث إذنًا له بالبدء في بحثه.
المفترض بعد ذلك أن يبدأ الباحث في إعداد دراسته، وأول ما ينبغي أن يفعله الباحث الجيد أن يقوم بتوزيع جهده السابق في الخطة على فصول دراسته، على أن يضيف إليها بعد ذلك؛ فيستبقي المقدمة ومشكلة الدراسة وتساؤلاتها وأهميتها وأهدافها فقط في الفصل الأول، ثم ينقل الجزء الخاص بالإطار النظري في الخطة إلى الفصل الثاني من الدراسة الخاص بالإطار النظري، والجزء الخاص بالدراسات السابقة في الخطة إلى موضعه من الدراسة، ويليه الفروض، وينقل كل الأجزاء المتعلقة بالمنهج إلى فصل المنهج.
لكن بعض الباحثين للأسف يتصور أن خطة البحث هي الفصل الأول من الدراسة، فيضعها كاملة فيه! وعندما نفتح رسالته نجد أجزاءً موضوعة –في غير موضعها- في الفصل الأول، ثم نجدها مكررة بعد ذلك في مواضعها الصحيحة من الفصول اللاحقة! وأحيانًا لا ينقلون أجزاء إلى مواضعها الصحيحة، وأشهر تلك الأجزاء هي فروض البحث، التي يكتفي بعض الباحثين بإبقائها في الفصل الأول -خطأ-، ولا يضعونها بعد ذلك في موضعها الصحيح في نهاية الفصل الخاص بالإطار النظري والدراسات السابقة.
أيضًا يُلاحظ أن كثيرًا من الباحثين يصيغون فروض البحث صياغة إحصائية، والمفترض أن تكون صياغتها لغوية بسيطة، بينما تلك الصياغة الإحصائية تكون في الفصل الأخير الخاص بنتائج الدراسة فقط.
وبعد، فقد كانت هذه محاولة بسيطة لتصحيح بعض الأخطاء المنهجية المتداولة في البحث العلمي في الدول العربية. آمل أن يستفيد منها الباحثون الجُدد.

الاثنين، 26 نوفمبر 2018

164-أحكام المواريث وقيم الرجولة


أحكام المواريث وقيم الرجولة
د/ منى زيتون
الاثنين 26 نوفمبر 2018
الثلاثاء 27 نوفمبر 2018
الأحد 7 يوليو 2019



فعلتها تونس! كما فعلتها تركيا من قرن مضى!

منذ فترة طويلة ونحن نقرأ عن نية واضحة في تونس لتعديل أحكام المواريث؛ بإقرار المساواة بين النساء والرجال في الميراث، لتتناسب مع التوجه العلماني للدولة التونسية. ومن الواضح أن أغلب نساء ورجال تونس راضون بهذا التعديل الذي تم مؤخرًا، ولم يشكل لهم أزمة، ولكن الأزمة أبت إلا أن تحدث في مكان آخر!
في مصر، صرّح الدكتور الأزهري سعد الدين الهلالي بأن تعديل آيات المواريث لا يناقض الشريعة الإسلامية، وأننا يومًا ما سنسير على درب تونس ونطبقه في مصر، ليسارع الأزهر بإصدار بيان يناقض فيه تصريح الهلالي.
الأهم، كان رد فعل الرجال في مصر، من كل التيارات، تجاه الأمر، وكأن أحكام المواريث هي صلب الإسلام الذي يكادون ينتهكون ثوابته عيانًا جهارًا، في كل سلوك، قولًا وفعلًا. أما النساء فقد اختلفت نظرتهن، وانقسمت رؤيتهن حول الموضوع، وقد لمست ذلك بنفسي، وإن لم تصرح سوى قلة قليلة منهن بذلك، تجنبًا للتسافه المؤكد الذي يمكن أن يرد به الرجال.
أتذكر يوم عزاء والدي أن عمتي –رحمة الله عليهما- قالت لي: لم يكن هناك أحن منه، لم يزرني يومًا إلا وأخذني في آخر الزيارة إلى جانب، ومد يده، وأعطاني مالًا.
وحتى عهد قريب، كانت هدايا المواسم والأعياد تُعد للأخوات من بيوت الإخوة، محملة بكل ما لذ وطاب من الطيور واللحوم وغوالي أصناف الأطعمة.
لم تكن أي امرأة تستشعر ضيقًا لأن أخاها أخذ ضعف نصيبها في الميراث، ليس فقط لأن الشرع قد قرر ذلك بوضوح، ولكن لأن الرجل بالفعل كان هو من يتولى مسئوليات الإنفاق وحده على بيته، ويبر بأخواته البنات لأعوام طوال حتى مماته. من ثم، كانت أحكام المواريث متناسبة مع قوامة الرجل على المرأة، وداعية لبر وصلة الرحم.
أما الآن، فأسر كثيرة تعيش على إعالة المرأة، وحرفيًا يمكننا القول إنه لولا عمل الأم لتضور أبناء تلك الأسر جوعًا، بينما الأب ينفق أمواله على نفسه، ما بين جلسات مقاهٍ، وتعاطي مخدرات، وبعضهم ينفقها على مظهره، وقد يعطي القليل لأبنائه، وقد لا يعطي! فإن كان أشباه رجال لا ينفقون على أولادهم، هل يُنتظر منهم أن يبروا بأخواتهم؟!  
حُكي لي عن إخوة ذكور –رغم غِناهم- رفضوا شراء تجهيزات زفاف أختهم الصغرى من مالهم، وقاموا بشراء جزء من نصيبها في الميراث في أرض زراعية كي تشتري ما يلزمها لبيتها، ورضيت صاغرة، لكن لم يفتها أن تسألهم: ولماذا أعطاكم الله إذًا ضعف نصيبي في الميراث إن لم تدفعوا لأمر كهذا؟!
في المقابل، أعرف نموذجًا مخالفًا تمامًا لأخ وحيد، أشرف على تربية أخواته البنات بعد ممات والده، وزوجهن من ماله، وأعطى كل منهن نصيبها في الميراث كاملًا غير منقوص، فهل شعرت إحداهن للحظة أن شرع الله قد ظلمها؟!
أعلم أن المتنطعين ليسوا إلا فئة من رجال المجتمع المصري والعربي، ولكن أعدادهم في تزايد، ومسئوليات المرأة عن إعالة نفسها وأولادها تتزايد هي الأخرى، وكان طبيعيًا أن تشعر هؤلاء النساء بالغُبن، لأن المقصد الشرعي لتقرير نصيب الرجل المضاعف لنصيب أخته قد انتفى فعليًا على أرض الواقع، بينما بقي الحكم، والرجال يدافعون تحديدًا وبشراسة عن بقاء أحكام المواريث لأنها في مصلحتهم، وليس حبًا في العمل بالشرع المعطلة أحكامه في مواطن عديدة، دون أن نجد أي مواقف عنترية مماثلة للدفاع عنها.
يمكنني القول أيضًا إن دفاع الرجال عن بقاء أحكام المواريث دون مساس، هو جزء من نظرة الرجل المصري الدونية للمرأة، التي تتزايد كلما زادت الحياة في إلقاء ضغوطها عليه؛ فالرجل المصري الذي تشعره كثير من مواقف الحياة غير الكريمة بالإهانة، يرى في نظرته للمرأة ككائن أقل منه في الحقوق، ويشعر أمامه بالقوة والتميز، تنفيسًا عن أزمته النفسية الخانقة. إنه دفاع عن النفس، وليس عن الشرع.
قد تكون الأزمة الاقتصادية سببًا رئيسيًا من أسباب الإشكالية، وهي التي تقف وراء تغير كثير من مفاهيم الرجولة في المجتمع، ولكن الحقيقة أنها أزمة أخلاق في المرتبة الأولى، وليس كل من يتنطع فقيرًا، ولا كل من يجود بغني، وليس كل من يسيء إلى المرأة مضغوطًا اجتماعيًا، ولا كل من يحسن إليها بمُرفهٍ.
وما قصدت قوله إن هناك نظامين؛ نظام إسلامي ونظام علماني. النظام الإسلامي الذي وضعه الله سبحانه وتعالى لا تنطوي تحته أحكام المواريث وحسب، هناك القوامة وهناك بر وصلة الرحم. وأشباه الرجال يأخذون من النظام الإسلامي أحكام المواريث لأنها في صالحهم، وأحيانًا في بعض المناطق في دول العرب كصعيد مصر، يمنعون البنات من الميراث كليًا -وعندها لا نجد أحدًا من المتباكين على الشرع يفتح فمه-، كما يأخذ أشباه الرجال من النظام العلماني إسقاط القوامة والبر بالأخوات!
فإما النظام الإسلامي كله أو النظام العلماني كله، وعن نفسي فأنا مع النظام الإسلامي؛ فلأن الله سبحانه وتعالى هو من شرع أحكام المواريث، أرى أن تغيير أحكام المواريث ليس هو الحل، بل الحل أن يعود الرجال رجالًا.