الاثنين، 29 يناير 2018

126-كلا إن معي ربي سيهدين

كلا إن معي ربي سيهدين
د/منى زيتون
الاثنين 29 يناير 2018

مساء الأمس، الأحد 28 يناير 2018، مر حزينًا على كل أنصار الفريق أحمد شفيق، بعدما استنفذوا جهودهم التي بذلوها لبلوغ مسعاهم الذي اجتمعوا عليه طوال الأسابيع الماضية؛ ألا وهو إقناع الفريق شفيق بطريقة عملية أنهم لا زالوا أنصاره، ولا يريدون غيره رئيسًا؛ وذلك بعمل توكيلات تأييد له للترشح في انتخابات الرئاسة القادمة.
منذ أسبوع، وتحديدًا يوم الاثنين 22 يناير، فرحنا بنبأ طيّره بعض المقربين بأن الرجل قد سعد بما نفعل، وقدّره، وأنه إن شاء الله تعالى سينزل على رغبتنا ويعود إلى سباق الرئاسة مكرمًا.
ورغم أن نظام السيسي الأرعن لم يتورع في اليوم التالي الثلاثاء 23 يناير عن اعتقال المرشح الرئاسي الفريق سامي عنان، وكَيْل التهم إليه، ثم إخفائه قسريًا، فحتى محاميه فشل في لقائه، ودُوهمت منازل أسرته وأفراد حملته، ثم كان انسحاب المحامي الحقوقي خالد علي من السباق الرئاسي يوم الأربعاء 24 يناير، إلا أنني أنا شخصيًا لم ألمس من سيادة الفريق شفيق تراجعًا عن فكرة الترشح ذاتها، وإن بدا لي أن هناك أمرًا آخر أبعد من مرمى نظري يدور في رأسه.
كان معلومًا أن آخر موعد يجب على الراغبين في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية التقدم فيه بطلب لرئيس المجالس الطبية المتخصصة لتوقيع الكشف الطبي هو يوم الجمعة 26 يناير، وتفاءلنا بانقضاء السبع سنوات العجاف بعد ثورة 25 يناير 2011، وأنه أول يوم في السنة التي بعدهم. تفاءلنا بالغيث الذي غسل مصر يومي 25 و 26 يناير 2018. قلنا إن شاء الله قد بدأ العام الذي ﴿فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [يوسف: 49]. وتفاءلنا بساعة الإجابة بين عصر ومغرب الجمعة، لكن الفريق شفيق لم يذهب لإجراء الكشف الطبي عليه كما كان متوقعًا له عصر الجمعة 26 يناير 2018!
قلنا لا بأس، فنظام السيسي صار يبحث عن ورقة توت تداري عواره، وبالتالي تم مد أجل الكشف الطبي حتى الأحد لأجل إتاحة الفرصة لخيالات الظل القابعة كديكور في حياتنا السياسية أن يترشح منها مرشحون هزليون، لكن الفريق شفيق لم يذهب أيضًا لإجراء الكشف الطبي يوم الأحد 28 يناير كما علمت من مصدر ما.
وكان الأنكى والأمرّ أن يوم الأحد 28 يناير كان موعد تجميع آلاف توكيلات التأييد للفريق شفيق التي بدأنا في عملها من أول أيام فتح فيه الشهر العقاري أبوابه لإجرائها يوم 9 يناير 2018، فإذا بجميع المندوبين المسئولين عن تسليمها بلا استثناء يتنصلون من الأرقام التي سبق وأعلنوا منسق الحملة أنها بحوزتهم، ولم يحضر أي منهم للقاهرة كما كان متفقًا عليه لتسلميها!
حقيقة، لم يهدأ لي بال إلا بعد أن اتصلت بأحد كبار هؤلاء المسئولين عن جمع التوكيلات في الصعيد؛ فإذا بالرجل يصارحني ويخبرني بعظمة لسانه أنه استُدعي إلى الأمن الوطني في الصباح! وأن فلانًا الذي سبق وأخبره أن في يده ثلاثة آلاف توكيل فجأة قال ليس معي هذا العدد!، وعلانًا كذلك! والبقية بالمثل! كما علمت أن الفريق شفيق قد بلغته هذه الأنباء الأحد 28 يناير، وهو الموعد الأخير الذي كان يُفترض أن يجري فيه الكشف الطبي.
حدث هذا في وقت امتلأت فيه الفضائيات المصرية بحديث عن أعداد التوكيلات التي تم عملها لمرشحي الرئاسة مع تجاهل تام لذكر أن أحدًا قد عمل توكيلًا للفريق أحمد شفيق! فهل وصلت درجة الفجور بالنظام السياسي المصري وإعلامه المخنث إلى هذا الحد؟! هل نسخة توكيلي وتوكيلات أنصار الفريق شفيق مزورة مثلًا وليست صادرة ومختومة من الشهر العقاري المصري؟! أم أنكم اكتفيتم بحذف نسخها وأعدادها من على الجهاز الرئيسي بالشهر العقاري الذي يربط الشبكة كلها على مستوى الجمهورية كما فعلتم في التوكيلات التي حُررت للفريق عنان واعتبرتموها كأن لم تكن؟ ولو كنا في دولة حقيقية ما احتجنا أن نجمع التوكيلات ونسلمها للجنة الانتخابية لأن صور التوكيلات وإحصائياتها توجد في الشهر العقاري، ولكان أمكن تسليم كشف بتلك الأعداد فقط دون أن يتكبد أحد معاناة لف كعب داير على مدن الجمهورية وقُراها لأجل جمعها، لكن في اللا دولة التي نحيا فيها صار حتى هذا الجمع متعذرًا.
وحقيقة إن من أسخف ما حدث في الأيام الأخيرة هو رحلة البحث عن محلل سياسي للسيسي، والتي بدأت بالسيد البدوي، ورئاسته للحزب الذي رأسه ذات يوم سعد باشا زغلول ومصطفى باشا النحاس وفؤاد باشا سراج الدين هو عار قد طال الوفد في حد ذاته، بالرغم من رفض الهيئة العليا للوفد استكمال المشاركة في هذه الجريمة السياسية في حق مصر، وأحمد الله أن أبي رحمه الله –وقد كان وفديًا عتيدًا- مات قبل أن يشهد يوم يحتل فيه الأقزام مكان العمالقة.
لكن ما لفتني حقًا هو تصريحات مصطفى بكري وتأكيداته على أن مرشحًا رئاسيًا (هامًا) سيظهر خلال ساعات. قطعًا لم يكن يقصد بكري بالمرشح الهام خيالات الظل الحزبية الذين يحاولون الدفع بهم في السباق، ولكن الأقرب إلى ذهني أن النظام يضع في الاعتبار احتمالًا ضئيلًا لترشح الفريق شفيق إن أخفقوا في إخفاء التوكيلات ولم يستطيعوا منعه من إجراء الكشف الطبي، فتبقى حيلتهم الأخيرة، وهي إظهار الرجل كبير القدر والمقام على أنه قد قرر المشاركة في مسرحية السيسي الانتخابية، فإما أن يأنف الرجل –وعزة نفسه معروفة- من أن يُوصم بهذا، وإما أن يخوض المعركة وسط شكوك فيه، وهذا في حد ذاته كفيل بعدم مشاركة الناخبين حتى من يدعموا سيادة الفريق، وعدم مشاركة الناخبين هو أول وأيسر الطريق للتزوير كما نعلم.

أخيرًا، أقول: اللهم إنا قد استفرغنا جهدنا، ولم نقصر في الأخذ بالأسباب. لم نتواكل، ولم نخف. نصرناك فانصرنا. اللهم إنا نسألك نجاة كنجاة موسى يوم ظن من معه أن فرعون لاحق بهم وقالوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ۝ قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 61-62]. وأرنا في السيسي وفيمن معه عجائب قدرتك. لقد قلت وقولك الحق: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: 30].