الاثنين، 29 يناير 2018

141-ما بين التفاوض والجعجعة والعمالة!

ما بين التفاوض والجعجعة والعمالة!
د/منى زيتون
السبت 24 فبراير 2018
الجمعة 2 مارس 2018
https://www.huffingtonpost.com/mona-abu-bakr-zaitoon/-_15104_b_19342288.html 

منذ تزايدت أعداد البشر على ظهر الأرض عرفت الشعوب القوية الغزو والاحتلال لاقتناص خيرات الشعوب الأخرى.
عرف الإنسان القديم الحروب، لكنه أيضًا عرف معها المعاهدات التي تُسطر بنودها للهدنة أو للصلح النهائي بعد مفاوضات بين الطرفين؛ المحتل الغاصب وصاحب الأرض.
أما في العصر الحديث فقد تغيرت الوجوه التي بها يمكن للشعوب القوية الاستحواذ على خيرات الشعوب الضعيفة، وصار لا يلزم أن يتم احتلال الدول الضعيفة، بل يمكن أن يتولى أمرهم عميل خائن من بني جلدتهم، وبدلًا من سطر معاهدات تعيد لأصحاب الأرض حقوقهم في النهاية، يمكن أن تُسطر بدلًا منها اتفاقيات اقتصادية مجحفة تجعل الوضع لا يختلف على الأرض عن عهود الاحتلال.

من يحاربون هم من يعاهدون، وهناك في المقابل من يجعجعون!
بمراجعة دفاتر التاريخ نجد ثلاثة صنوف من القادة الذين قد يتصادف ظهورهم في تاريخ الشعوب المستضعفة؛ صنف يشعر بالمسئولية السياسية التي أولاها إياه شعبه، ويفهم معناها حقًا، وأنه هو المنوط بتغيير الأوضاع وإزالة الاحتلال وإعادة الحرية لشعبه، وكذا الحفاظ على موارد بلاده الاقتصادية، وصنف آخر ضعيف يداري ضعفه وخذلانه خلف الجعجعة، يظهر قوة زائفة أمام بني وطنه، بينما يعلم أعداؤه أنه قطة تتغطى بلبدة أسد، وصنف ثالث خائن عميل لأعداء وطنه، يفرط في الغالي والثمين كي يرضى عنه أسياده.
ولكل صنف منهم طرقه التي يسلكها لأجل تحقيق أهدافه، والتي من الواضح أنها تختلف بالكلية.
يقول التاريخ: إن الصنف الأول يحاربون لأجل تحقيق أهدافهم، وقد يتفاوضون ويعاهدون أعداءهم أيضًا! إذ لا شك أن للتفاوض دوره في حل النزاعات بين الدول، لكن مما لا شك فيه أيضًا أن التفاوض الذي يؤمل أن يأتي بحق الشعوب المظلومة هو تفاوض القوة، والذي يصاحبه أو يسبقه جهاد ضد الغاصب.
فرسول الله الذي حارب مشركيّ مكة في بدر وأحد والخندق هو من جلس معهم للتفاوض في الحديبية. وهو ذاته من جاءهم فاتحًا عندما لم يحترموا العهد بينهم ونقضوه.
وصلاح الدين الذي تصدى للحملة الصليبية الثالثة، فحارب الصليبيين في حطين وغيرها، هو من قبل معاهدتهم في صلح الرملة عام 589هـ.
وفي العصر الحديث سنجد أن أيقونة الوطنية في البلاد العربية -والذي سار على نهجه كبار القادة في العديد من بلاد العرب- كان حزب الوفد المصري بزعامة سعد باشا زغلول. وقد تشكل حزب الوفد أساسًا لمفاوضة المحتل الإنجليزي للجلاء عن مصر، وتم لأجل ذلك جمع توقيعات وتوكيلات لهم من ربوع مصر بأنهم يمثلون المصريين ويتحدثون باسمهم. طالب الوفد باستقلال مصر حتى أصدرت بريطانيا تصريح 28 فبراير 1922 الذي ألغت فيه ‏بريطانيا الحماية على مصر، واُعتبرت مصر مستقلة اعتبارًا من 15 مارس 1922، ثم خاض الوفد مباحثات أخرى أدت لتوقيع ‏معاهدة 1936م. وكان النحاس باشا الذي وقع معاهدة 1936 هو نفسه الذي وقف في مجلس الأمة عام 1949 معلنًا أنه وقع المعاهدة باسم الشعب واليوم ينسحب منها باسم الشعب، وبعدها بدأت حكومة الوفد تسليح الفدائيين لمهاجمة معسكرات الإنجليز على خط القناة.
وكذا فالرئيس السادات كان الرئيس المصري الوحيد الذي حارب إسرائيل، وهو أيضًا من وقّع معهم معاهدة كامب ديفيد. كان السادات وفدي النشأة يؤمن بالتفاوض كإحدى وسيلتين أساسيتين لحل النزاعات، وكان يؤمن بسلام القوة، أي أنه كي يجلس للتفاوض مع المحتل لا بد أولًا أن يحاربهم ليروه ندًا لهم.
لماذا إذًا تم تخوين السادات والنظر إليه على أنه قد باع قضايا العروبة وفرّط عندما جلس للتفاوض مع المحتلين؟ بينما لم يحدث مثل هذا مع سعد زغلول أو مصطفى النحاس؟!
سؤال هام، والرد عليه يتلخص في أن السادات قد سبقه رئيس ينتمي إلى الصنف الثاني من القادة، الذي يمكن أن نصفه بأنه متوجه للداخل، يستمد قوته الزائفة من إشعار شعبه بقوة لا أساس لها على أرض الواقع.
أتى السادات بعد عبد الناصر، الذي لم يزد على تغذية الوعي العربي –وليس المصري فقط- طوال عقدين من الزمان بأفكار من نوعية "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة"، بينما لم نر منه أية قوة، ولم يزد على الجعجعة والخطابة، وامتلأت خطبه بالسب والانتقاص على غير عادة السياسيين المحنكين، ثم ختم عهده البائس بما نسميه نكسة 1967، وما كان إلا نكبة جديدة أُضيفت إلى نكباتنا. والأنكى أن هناك من لا زالوا يعتبرونه رمزًا لعز العروبة!
أما البلاء الأكبر فيكون عندما تُبتلى الأوطان برئيس من الصنف الثالث الخائن العميل، خارجي التوجه، الذي لا يعبأ بشعبه، وعلى استعداد للتفريط في أراضيه وموارد بلاده لصالح من يجلسونه على كرسيه.

كلب السادات ودراجة السيسي!
أصبح يستوقفني كثيرًا خبر ركوب السيسي دراجته مع بعض الشباب، والذي تكرر حتى مللناه، والمشكلة أن هناك من لا يدركون أن وعي الشعوب العربية قد زاد، وكما نقول بالعامية المصرية فإن حركاتهم صارت مكشوفة!
تقول العرب: البعرة تدل على البعير؛ فهل السيسي صنيعة أمريكية؟!
بعد معاهدة كامب ديفيد تقلصت شعبية الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فكثيرون رفضوا فكرة الجلوس للتفاوض مع المحتل، رغم أنها كانت متقبلة كما ذكرنا قبله بعقود، ولا يعنينا هنا مناقشة المعاهدة في حد ذاتها، وإنما يعنينا أنه وكنتيجة لانخفاض شعبية الرئيس السادات سعت الإدارة الأمريكية لتلميع صورته، ورأوا أن يستخدموا ذات الأساليب التي يستخدمونها مع الرؤساء الأمريكيين في حملاتهم الانتخابية، فكان أن التُقطت صور عائلية للسادات، وصور له وهو يتريض، وصور مع كلبه، وغيرها مما تكون أقرب للحياة الغربية، فلم يراعوا الفروق الثقافية بين الشعب المصري والشعب الأمريكي. ولكم أن تتخيلوا وقع صور رئيس الدولة وهو يسبح أو يجري مع كلبه على مواطن مصري في السبعينات من القرن العشرين!
المهم أنني الآن أرى المشهد يتكرر بتفاصيل مختلفة، فكلما تعالت نبرة المعارضة لنظام السيسي، وكلما زادت الصحافة العالمية في الحديث عن قمع الحريات وغياب سيادة القانون في عهده، خرج علينا السيسي يتريض بدراجته!

أصبح لدي يقين أن هذا الرجل قد وصل إلى حكم مصر بالكذب والاحتيال علينا، وإفهامنا أنه مرشح الشعب لتخليصنا من تحالفات الإخوان وصفقاتهم مع أمريكا، وما هو إلا رجل أمريكا في مصر. مجرد رئيس عميل خائن من الصنف الثالث، ومكانه الذي سيستقر فيه قريبًا إن شاء الله هو مزبلة التاريخ.