الاثنين، 29 يناير 2018

144-عن انسحاب مرشحي الرئاسة المصرية طواعية!!

عن انسحاب مرشحي الرئاسة المصرية طواعية!!
د/منى زيتون
الجمعة 23 مارس 2018


مساء الثلاثاء 20 مارس الجاري، ظهر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على عدد من القنوات المصرية –الرسمية والخاصة- مع المخرجة ساندرا نشأت في فيلم حواري مسجل بعنوان "شعب ورئيس".
كان أهم ما قال السيسي في المقابلة: "والله العظيم أنا كنت أتمنى أن يكون موجود معانا واحد واتنين وتلاتة وعشرة من أفاضل الناس، وتختاروا زي ما أنتم عايزين"!
كان السيسي يعني بهؤلاء الذين ادعى أنه يتمنى وجودهم مرشحي الرئاسة الذين ليس لهم وجود لأنه لم يترشح أمامه سوى مرشح لا قيمة ولا وزن له، حتى أنه هو ذاته تجاهل وجوده، وكان حديثه عن الانتخابات التي يُفترض أنه يخوضها ضده كما لو كانت استفتاء فحسب، طلب من الشعب المشاركة فيه ولو بقول "لا" لإدراكه أن الناس عازفة عن المشاركة. وقد أظهرت لنا الأيام وجه السيسي الحقيقي فهو من النوعية التي تتمسكن حتى تتمكن، وله حاجة هذه الأيام عند الشعب يأمل أن يأخذها.
لم يكن السيسي وحده من برر أمر عدم وجود مرشحين أقوياء في السباق الرئاسي المصري؛ فقبل يومين من بث المقابلة مع السيسي، وفي لقاء تليفزيوني ببرنامج "على مسئوليتي"، المذاع عبر فضائية "صدى البلد"، الأحد 18 مارس، قال الدكتور محمد بهاء أبو شقة، المتحدث الرسمي باسم حملة السيسي: إن السيسي أشرف بكثير من أن يصنع مؤامرات لاستبعاد أشخاص بعينها من الترشح للرئاسة!
اعتبر أبو شقة ما يُطلق عن اصطناع النظام مؤامرات لأجل انسحاب مرشحي الرئاسة الأقوياء محاولة للتشكيك في العملية الانتخابية، بينما ما لم يقله أبو شقة إن جهات عديدة بالمجتمع الدولي باتت أقرب لعدم الاعتراف بالانتخابات المصرية وما يمكن أن تسفر عنها، لأن استبعاد مرشحين أقوياء قادرين على المنافسة لا يعني سوى خوف النظام من أن أحدهم قادر على اكتساح السباق الانتخابي والفوز فيه، وأن النظام ارتعش لأجل هذا فعمل على استبعادهم بشتى السُبل، ثم ها هو يرتعش مرة أخرى الآن خوفًا من عدم الاعتراف الدولي بنتائج الانتخابات، فيطلب من الشعب النزول بكثافة للتصويت، ويُطلق المزيد من التنازلات الدولية آخرها قبول الإدارة المشتركة لمثلث حلايب وشلاتين.

استنكار دولي غير مسبوق بشأن الانتخابات المصرية
لعل من أهم تقارير الاستنكار الدولية بشأن الانتخابات الرئاسية المصرية 2018 ما تضمنه تقرير المفوض السامي لشئون حقوق الإنسان، زيد بن رعد، أمام مجلس حقوق ‏الإنسان في جنيف، الأربعاء ٧ مارس الجاري، من التشكيك في مصداقية ونزاهة الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، فضلًا عن الاتهامات بشأن وضعية المنظمات غير الحكومية والإعلام.

وقد استنكرت وزارة الخارجية المصرية بشدة في بيان لها مساء نفس اليوم التقرير. وقامت بنشر الاستنكار على صفحتيها باللغتين العربية والإنجليزية على الفيسبوك. وكانت أهم فقرة جاءت في بيان ممثل الخارجية المصرية الاستنكاري: "متسائلًا عن مدى مسئولية الدولة عن انسحاب مرشحين محتملين طواعية أو لعدم قدرتهم على استكمال أوراق الترشح، مؤكدًا أن ما يتم اتخاذه من إجراءات قانونية ضد أى فرد استند إلى مخالفات قانونية تم اقترافها، وتم التعامل معها وفقًا لإجراءات قانونية سليمة، وفي إطار من الشفافية والوضوح".

وكذا صرّحت مفوضة الحكومة الألمانية لشئون حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية بيربل كوفلر، الخميس 15 مارس، في بيان خاص بشأن الانتخابات الرئاسية المصرية، بأن لديها تخوفًا من أن الفرص المرتبطة بانتخابات حرة ونزيهة في مصر لا تُستغل، كما أعربت عن قلقها بسبب التقارير العديدة عن اعتقال وترهيب لمرشحين محتملين ومؤيديهم، وعن القيود الشديدة المفروضة على حرية التعبير وحرية التجمهر.

وفي تقرير نُشر يوم السبت 17 مارس الجاري على موقع صوت أمريكا Voice of America. قال جيم ماكغفرن، النائب الديمقراطي بمجلس النواب الأميركي عن ولاية ماساتشوستس، إنَّه وبعض زملائه بدأوا بالفعل في صياغة مشروع قانون لمعالجة مخاوفهم بشأن ما قال إنها انتخابات تفتقر إلى النزاهة والحرية في مصر.
Democratic Representative Jim McGovern of Massachusetts said he and some colleagues already had begun drafting a resolution to address their concerns about what he said was a lack of fair and free elections in Egypt.

ماذا حل بمرشحي الرئاسة المصرية؟
يؤثر النظام المصري التعامل مع حقيقة تضييقه على مرشحي الرئاسة بأسلوب النعام؛ إذ يعتقد أن العالم بأسره سيصدقه عندما يدّعي ألا دخل له بانسحاباتهم واحدًا تلو الآخر، مع أن ما استخدمه النظام ضدهم من أساليب –على تنوعها- كان ظاهرًا للعيان، ولكن من يدفن رأسه في الرمال يبدو أنه لا يراها!
لن أتحدث عن الفريق عنان أو العميد قنصوة المسجونين في السجن الحربي، حيث لا زال يُحاكم الأول، بينما يقضي الثاني فترة محكوميته، ولن أسرف في إعادة سرد ما جرى للمستشار هشام جنينة الذي أعلن الفريق عنان اسمه كأحد نائبيه في حال فوزه بالرئاسة، فهؤلاء قد اعتُبروا مُدانين بتوفيق نصوص قانونية كان من الممكن أن تُفسر بحيث تبرئهم.
لكن هناك مرشحَين آخرين قد انسحبا من السباق الرئاسي يصعب حقًا اعتبار أن انسحابهما جاء طواعية! وهما الفريق أحمد شفيق والمحامي خالد علي؛ إذ حتى بعد استبعاد التهديدات بفتح ملفات قضائية لكليهما يبقى ما تعرضا له وأدى إلى انسحابهما بعيدًا كل البعد عن توصيف الطواعية.

خالد علي
بالنسبة لخالد علي، والذي أعلن انسحابه يوم الأربعاء 24 يناير 2018، ولم تكمل حملته جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لاستكمال إجراءات الترشح، فقد تحدثت حملته عن وقائع اختفاء توكيلات، إحداها تم التقدم ببلاغ فيها. كما شكك المستشار نور فرحات على صفحته على الفيسبوك في تزوير مجموعة كبيرة من التوكيلات تم تقديمها إلى حملة خالد علي، وذكر أنه نظرًا لتشككهم فيها طالبوا الشهر العقاري ببيان بأعداد التوكيلات التي تم عملها لخالد علي، لكن الشهر العقاري رفض إعطاءهم ذلك البيان.
ورغم اعترافي بالوزن النسبي الضئيل لخالد في الانتخابات الرئاسية، ألا تُعتبر هذه التصرفات إعاقات واجهته كمرشح محتمل وأوقفت استكمال طريقه نحو الترشح؟
وإن كنت أرى الأهم والأسوأ من وجهة نظري هو ما حدث من ترهيب للشباب المساند لخالد علي كي يخافوا من عمل توكيلات له، فموظفو الشهر العقاري لم يدخروا جهدًا في إخافتهم. وما معنى أن يُنبه الموظف المواطن قبل أن يقوم بعمل التوكيل له بأن توقيعه وبصمة إصبعه سيؤخذان على التوكيل، وأن هناك نسخة موقعة ومختومة سيتم الاحتفاظ بها في المكتب، كما إن اسمه ورقمه القومي سيتم حفظهما على النظام الالكتروني؟ وهو ذات ما تم لترهيب من يقوم بعمل توكيلات للفريق شفيق. إضافة إلى عدم تمكن الكثيرين من عمل تلك التوكيلات لخالد أو شفيق لأنهم أُرغموا في مقار أعمالهم على عمل توكيلات ترشح للسيسي!

الفريق أحمد شفيق
بالنسبة للفريق شفيق، والذي يعتبر أقوى مرشحي الرئاسة المحتملين وأكثرهم شعبية وقدرة على المنافسة، أشهد أنه -ورغم كل ما تعرض له منذ إعلانه نيته في الترشح- آخر من يمكن أن يرضخ لضغوط، ولكن هذا لا يبرئ السيسي ونظامه، وينفي عنهم محاولة –بل محاولات- الضغط على الرجل.
في مقال سابق نشرته بعد إعلان شفيق الانسحاب بأيام بعنوان "انسحاب أحمد شفيق من سباق الرئاسة المصري.. خلفيات وتفسيرات وتوابع" ذكرت أن من يُراجع حوار شفيق مع الإبراشي الذي أعلن فيه انسحابه سيجد أن شفيق لم ينفِ تعرضه لضغوط، وإنما نفى أن تكون تلك الضغوط هي سبب انسحابه.
في المقال شرحت –من خلال معلومات وثيقة استقيتها من مصادري- كيف أن كل البشر الذين قابلهم الفريق شفيق منذ عودته من الإمارات، وطالما اعتبرهم في الماضي أصدقاءه، بدءًا من ‏أعضاء أمانة حزب الحركة الوطنية ورجال الأعمال والوزراء والأقباط والعسكريين تحالفوا معًا لإقناعه أن أنصاره ‏تحولوا فصاروا أنصار السيسي؛ فالشارع ليس معك! والناس تُقدِّر السيسي وإنجازاته! بل إن بعض ‏الوزراء السابقين الذين قابلهم في عزاء بالكنيسة –كعادل لبيب- رفض أن يُسلِّم عليه!‏ بينما مُنع أنصاره الحقيقيون من التواصل معه، وكل من يعرف الفريق شفيق يعرف كيف يستمد قوته منهم. ‏
فإن كان الفريق شفيق قد عدل عن خطته للترشح في ضوء ما حيك أمامه من خداع، شارك فيه بالدرجة الأولى أعضاء حزب الحركة الوطنية الذي يترأسه، الذين أظهروا أمامه زورًا تراجع شعبيته أمام شعبية السيسي الطاغية –حسب وصفهم- وعدم قدرته على منافسة الأخير! فهل هذا يدخل في إطار الانسحاب طواعية؟! أم أنها ضغوط نفسية ناعمة لعبها رجال النظام وخونة الحزب على الرجل لينالوا مأربهم؟
ثم إذا بقيادات حزبه مع بعض الأجهزة السيادية التي تتبجح بأن مرشحي الرئاسة انسحبوا طواعية تحاول إحراج الفريق شفيق مؤخرًا، ودفعه للظهور في برامج تليفزيونية ومؤتمرات حزبية، وإجراء مداخلات هاتفية ببعض برامج الفضائيات، لإظهار تأييده للسيسي! وقد رفض الرجل تمامًا كل ما عُرض عليه. وهو ما كشف عنه مصدر مقرب من شفيق للعربي الجديد في مقال منشور يوم 18 مارس الجاري.

ولمّا انكشفت فضيحتهم، ولأجل نفيها ولي الحقائق، وبعد يومين فقط من نشر المقال، أطلقت إحدى الصفحات على الفيسبوك باسم "جبهة ضباط مصر" إشاعة كاذبة عن مقتل الفريق شفيق أثناء تعرضه للتعذيب لرفضه الانصياع لتأييد السيسي.
لم تستمر الإشاعة على وسائل التواصل الاجتماعي سوى سويعات، وكان من السهل تكذيبها باتصالات هاتفية من أحبابه به، كما اتصلت محاميته، ونفت الإشاعة بتصريح منها إلى جريدة صوت الأمة.
والغرض البديهي من هذه الإشاعة ذات الشقين أنها جاءت للتعمية على افتضاح أمر الضغوط على شفيق لتأييد السيسي، والتي أُشيع أنه قُتل لرفضه لها؛ إذ أنه عندما يظهر أن الفريق حي يُرزق سيتم تكذيب الخبر بشقيه في أذهان المصريين، ليتصوروا أن نظام السيسي لم يضغط على شفيق لإظهار التأييد له، بينما هذا الشق الأخير صحيح.

وربما كانت أيضًا محاولة أخرى للضغط على الفريق شفيق ليضطر إلى الظهور ويدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية، وهو ما سيعطيها شرعية؛ كون أقوى المنافسين المنسحبين من سباقها يعترف بها.
لا نعلم إن كانت هذه الصفحة "جبهة ضباط مصر" من البداية تخضع لإشراف المخابرات، أم أنه تم الاستيلاء عليها مؤخرًا، ولكن ظاهريًا فهذه الصفحة تسب نظام السيسي كما لا زالت تظهر الدعم للفريق سامي عنان، والخبر الكاذب الذي أطلقته عن الفريق شفيق جاء في موعد تجديد حبس الفريق سامي عنان أثناء محاكمته!
لكن هناك أمر آخر لافت؛ حيث لاحظت ولاحظ معي المعلقون على الخبر الخاص بالفريق شفيق على تلك الصفحة أن كل من حاول كتابة تعليق جيد عن الفريق شفيق، أو مجرد أن نفى خبر وفاته قد تعرض لهجوم وسباب من حساب باسم محمد رمزي، ليس لديه على صفحته سوى خمسة أصدقاء!
وكانت المفاجأة عندما تأكدنا أن الايميل الذي تم فتح هذه الصفحة بواسطته باسم محمود السيسي! ولا زال يظهر الاسم الحقيقي في رابط الصفحة على الفيسبوك.

ختامًا أقول: أعلم أن الفريق شفيق شخصية قوية وله حساباته السياسية، ولولا اقتناعي بذلك لدشنت بنفسي حملة على منظمة العفو الدولية لأجله، لكن كل هذا لا يسمح لنظام السيسي -بعد أن أفسد مناخنا السياسي- بالتبجح والادعاء أن مرشحي الرئاسة الأقوياء –وعلى رأسهم شفيق- قد انسحبوا طواعية!